الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب الشك في الولد.

                                                                            2377 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي، أنا زاهر بن أحمد، أنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو مصعب، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أن رجلا من أهل البادية جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " إن امرأتي ولدت غلاما أسود، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "هل لك من إبل؟"، قال: نعم، قال: "ما ألوانها؟"، قال: حمر.

                                                                            قال: "فهل فيها من أورق؟"، قال: نعم، قال: "أنى ترى ذلك؟"، قال: أراه نزعه عرق، قال: "فلعل هذا نزعه عرق".


                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد، عن يحيى بن قزعة، عن [ ص: 274 ] مالك، وأخرجه مسلم، عن قتيبة بن سعيد، عن سفيان، كلاهما عن الزهري.

                                                                            والأورق : الأسمر ، ومنه قيل للرماد : أورق ، وللحمامة : ورقاء ، فالأورق من الإبل والحمام : الذي لونه لون الرماد .

                                                                            قال الإمام : وفيه دليل على أن امرأة الرجل إذا أتت بولد لا يشبهه لوقت يمكن أن يكون منه ، لا يباح له قذفها ، ولا نفي الولد ، وإن زنها بريبة ، فإن تيقن أن الولد ليس منه بأن لم يكن أصابها ، أو أتت به لأقل من ستة أشهر من وقت الإصابة ، أو لأكثر من أربع سنين ، فعليه نفيه ، لأنه كما هو ممنوع من نفي نسبه ممنوع من استلحاق من هو منفي عنه باليقين .

                                                                            ولو رأى امرأته تزني ، أو سمع ممن يثق بقوله يباح له قذفها ، واللعان ، والستر أولى إذا لم يكن ثم نسب يلحقه ، وهو يعلم أنه ليس منه .

                                                                            ولو أتت امرأة الصبي بولد ، فإن كان الصبي ابن عشر سنين ، يلحق به إلا أن ينفيه باللعان بعد تيقن بلوغه ، لأن البلوغ بالاحتلام متصور بعد عشر سنين ، والنسب يثبت بالإمكان ، وإن كان دون عشر سنين ، فمنفي عنه بلا لعان .

                                                                            وفي الحديث دليل على أنه لا يصير قاذفا بالتعريض ما لم يصرح بالقذف ، وهو أن ينسبه إلى الزنى صريحا ، أو يذكر كناية ، فيقول : يا فاسق ، يا فاجر ، ونحوهما ، ثم يقر بأنه أراد به الزنى ، فأما التعريض مثل قوله : [ ص: 275 ] يا ابن الحلال ، أو أما أنا ، فما زنيت ، وليست أمي بزانية ، فليس بقذف ، وإن أراده عند الأكثرين ، وقال مالك : يجب الحد بالتعريض ، لما روي عن عمرة بنت عبد الرحمن ، أن رجلين استبا في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال أحدهما للآخر : والله ما أبي بزان ، ولا أمي بزانية .

                                                                            فاستشار عمر في ذلك ، فقال قائل : مدح أباه وأمه ، وقال آخرون : قد كان لأبيه وأمه مدح سوى هذا ، نرى أن يجلد الحد ، فجلده عمر بن الخطاب ثمانين .

                                                                            وفي الحديث إثبات القياس حيث أحال اختلاف اللون بين الوالد والمولود على نزع العرق ، بالقياس على اختلاف ألوان الإبل مع اتحاد الفحل واللقاح .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية