الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2262 - أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال، أنا أبو العباس الأصم، أنا الربيع، أنا الشافعي، أنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، ثلاثا، فإن أصابها، فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا، فالسلطان ولي من لا ولي له". [ ص: 40 ] .

                                                                            قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، رواه يحيى بن سعيد الأنصاري، ويحيى بن أيوب، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وغير واحد من الحفاظ، عن ابن جريج نحو هذا، ورواه الحجاج بن أرطاة، وجعفر بن ربيعة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، وروي عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويروى: "أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها"، والمولى والولي واحد، والموالي: بنو الأعمام والعصبة أيضا، ومنه قوله سبحانه وتعالى: ( وإني خفت الموالي من ورائي ) ، والمولى: المعتق والعتيق أيضا، والمولى: الناصر أيضا، ومنه قوله سبحانه وتعالى: ( ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا ) ، أي: ناصرهم.

                                                                            قوله : اشتجروا ، أي : اختلفوا وتنازعوا ، ومنه قوله سبحانه وتعالى : ( فيما شجر بينهم ) ، أي : فيما أوقع خلافا بينهم .

                                                                            وضعف بعضهم هذا الحديث ، لأن ابن جريج ، قال : ثم لقيت الزهري ، فسألته ، فأنكره ، قال يحيى بن معين : لم يذكر هذا الحرف عن ابن جريج إلا إسماعيل بن إبراهيم ، وسماع إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج ليس بذاك .

                                                                            والعمل على حديث النبي صلى الله عليه وسلم : " لا نكاح إلا بولي" عند عامة أهل [ ص: 41 ] العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم ، وهو قول عمر ، وعلي ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عباس ، وأبي هريرة ، وعائشة ، وغيرهم ، وبه قال سعيد بن المسيب ، والحسن البصري ، وشريح ، وإبراهيم النخعي ، وقتادة ، وعمر بن عبد العزيز ، وغيرهم ، إليه ذهب ابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، وسفيان الثوري ، والأوزاعي ، وعبد الله بن المبارك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق .

                                                                            قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها ، أو ذي الرأي من أهلها ، أو السلطان" .

                                                                            وروي عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، قال : " كانت عائشة تخطب إليها المرأة من أهلها فتشهدها ، فإذا بقيت عقدة النكاح ، قالت لبعض أهلها زوج ، فإن المرأة لا تلي عقد النكاح" . [ ص: 42 ] .

                                                                            وقد أجاز بعضهم للمرأة تزويج نفسها ، وهو قول أصحاب الرأي ، وقال أبو ثور : إن زوجت نفسها بإذن الولي ، صح النكاح ، وإن تزوجت بغير إذنه لا يصح ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها" .

                                                                            ومعناه عند العامة : أن يلي الولي العقد عليها ، أو يأذن لها في توكيل من يلي العقد عليها من الرجال ، فإن وكلت دون إذن الولي ، فباطل .

                                                                            وقال مالك : إن كانت المرأة دنيئة فلها أن تزوج نفسها ، أو تأمر من يزوجها ، وإن كانت شريفة فلا ، ولفظ الحديث عام في سلب الولاية عنهن من غير تخصيص .

                                                                            قال الإمام : وفي قوله صلى الله عليه وسلم : " فنكاحها باطل" دليل على أن العقد لا يكون موقوفا على إجازة الولي ، وفي قوله : " فإن أصابها فلها المهر" دليل على أن وطء الشبهة يوجب مهر المثل ، ولا يجب به الحد ، ويثبت النسب .

                                                                            قال الإمام رحمه الله : فمن فعله عالما عزر ، لما روي عن عكرمة بن خالد ، قال : جمعت الطريق رفقة فيهم امرأة ثيب ، فولت رجلا منهم أمرها ، فزوجها رجلا ، فجلد عمر بن الخطاب الناكح والمنكح ، ورد نكاحها . [ ص: 43 ] .

                                                                            وقوله : " فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" .

                                                                            قال الإمام : هذا يؤكد ما ذكرنا من أن المرأة لا تباشر العقد بحال ، إذ لو صلحت عبارتها لعقد النكاح ، لأطلق لها ذلك عند اختلاف الأولياء ، ولم يجعله إلى السلطان ، وأراد بهذه المشاجرة مشاجرة العضل دون المشاجرة في السبق ، فإن الولي إذا عضل ، ولم يكن في درجته غيره ، كان التزويج إلى السلطان ، لا إلى من هو أبعد من الأولياء ، وكذلك الولي الأقرب إذا غاب إلى مسافة القصر زوجها السلطان بنيابته عند الشافعي .

                                                                            وذهب أصحاب الرأي إلى أن الغيبة المنقطعة تنقل الولاية إلى الأبعد ، كما لو مات الأقرب أو جن ، كان التزويج إلى الأبعد بالاتفاق ، وفرق بينهما من حيث إن الموت والجنون يخرجانه من الولاية ، والغيبة لا تخرجه عن الولاية ، غير أنه تعذر الوصول إلى تزويجه ، فينوب السلطان منابه ، كما في العضل .

                                                                            أما إذا كانت المرأة لها أولياء في درجة واحدة مثل الإخوة ، أو بني الإخوة ، أو الأعمام ، أو بني الأعمام ، واختلفوا فيمن يلي العقد عليها ، فإذا أذنت المرأة لواحد ، فهو الولي ، وإن لم تعين واحدا واختلفوا ، يقرع بينهم ، ولو بادر واحد منهم ، وزوجها برضاها من كفء دون إذن الباقين ، صح النكاح ، ولزم ، وإن زوجها برضاها من غير كفء ، فللباقين رده ، لما يلحقهم من العار بدناءة من يدخل عليهم في نسبهم ، ولو زوجها الأقرب من غير كفء برضاها ، فلا اعتراض للأبعد ، إذ ليس للأبعد في هذه الحالة عليها ولاية .

                                                                            ومن أراد نكاح امرأة وهو وليها لا ولي لها سواه ، مثل ابنة عمه ، أو معتقته ، زوجها السلطان منه ، فلو زوجها الولي من نفسه برضاها ، [ ص: 44 ] اختلف أهل العلم فيه ، فذهب قوم إلى أنه لا يجوز ، وهو قول الشافعي ، وأجازه قوم ، وهو قول أصحاب الرأي ، وخطب المغيرة بن شعبة امرأة هو أولى الناس بها ، فأمر رجلا فزوجه .

                                                                            وقال عبد الرحمن بن عوف لأم حكيم بنت قارظ : " أتجعلين أمرك إلي" ؟ فقالت : نعم .

                                                                            فقال : قد تزوجتك .

                                                                            واحتج الشافعي على أن المرأة لا تلي العقد بما .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية