الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2400 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي، أنا زاهر بن أحمد، أنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو مصعب، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال: سمعت القاسم بن محمد، يقول: " كانت عند عمر بن الخطاب امرأة من الأنصار، فولدت له عاصم بن عمر، ثم إنه فارقها، فركب عمر يوما إلى قباء، فوجد ابنه يلعب بفناء المسجد، فأخذ بعضده، فوضعه بين يديه على الدابة، فأدركته جدة الغلام، فنازعته إياه، فأقبلا حتى أتيا أبا بكر الصديق، فقال عمر: ابني، وقالت المرأة: ابني، فقال أبو بكر: خل بينها وبينه، فما راجعه عمر الكلام ".

                                                                            وإذا اجتمع نساء القرابة ، فأولاهن الأم ، ثم أم الأم ، وإن علت ، ثم أم الأب وإن علت ، ثم أم الجد ، ثم الأخت للأب والأم ، ثم الأخت للأب ، ثم الأخت للأم ، ثم الخالة ، ثم العمة على هذا الترتيب ، [ ص: 334 ] ولا حق لرجال العصبة مع واحدة من هؤلاء ، هذا إذا كان المولود دون سبع سنين ، فإن بلغ سبع سنين ، وعقل عقل مثله ، فيخير بين الأبوين ، سواء كان المولود ذكرا أو أنثى ، فأيهما اختاره ، يكون عنده ، وهو قول كثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وإليه ذهب الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق .

                                                                            وذهب الثوري ، وأصحاب الرأي إلى أن الأم أحق بالغلام حتى يأكل ويلبس وحده ، وبالجارية حتى تحيض ، ثم بعده الأب أحق بهما .

                                                                            وقال مالك : الأم أحق بالجارية وإن حاضت ما لم تنكح ، وبالغلام ما لم يحتلم ، وإذا بلغ الصبي سبع سنين ، فأكثر ولم يعقل عقل مثله ، أو بلغ مجنونا ، فالأم أولى به كالطفل ، فإذا اختار الذي يعقل عقل مثله ، أحد الأبوين ، ثم رجع ، فاختار الآخر ، صرف إلى الآخر ، فإن كثر تردده بينهما ، عرف به خفة عقله ، فتكون الأم أولى به كالطفل ، وإنما يخير بين الأبوين إذا كان الأبوان حرين مسلمين مأمونين ، فإن كان أحدهما كافرا ، أو رقيقا ، أو فاسقا يكون الآخر أولى به ، وإذا نكحت الأم فلا يخير ، وكان عند الأب ، وكما يخير المولود بعد أن عقل عقل مثله بين الأبوين يخير أيضا بين الأم والجد ، وبين الأم والعم ، ومهما ثبت الحق للأم ، إما حق الحضانة ، أو اختارها المولود بعد التخيير ، فأراد الأب سفرا ، لم يكن له نزعه من الأم ، وإن أراد النقلة إلى بلد آخر ، وبينهما مسافة القصر ، فله نزع المولود من الأم ، وحمله مع نفسه ، وكذلك رجال العصبة لهم نزع المولود من الأم ، ونقله حتى لا يضيع نسبه إلا أن تخرج الأم معه إلى ذلك البلد ، فلا ينزع منها ، ومهما كان المولود عند الأم ، فليس لها منع الأب من زيارته ، وإخراجه إلى الكتاب والصناعة إن كان من أهله ، ويأوي إلى الأم ، وإن كان [ ص: 335 ] عند الأب ، فليس له منعه من أن يأتي الأم ، أو تأتيه الأم ، فإن كانت جارية ، فليس له منع الأم من أن تزورها ، وله منعها عن الخروج إلى الأم إلا أن تمرض الأم ، فتأتيها عائدة ، وإذا كان الولد رقيقا لرق الأم ، فالسيد أحق به من أبويه ، فإن اجتمع في ملك رجل أم وولدها الصغير ، ففرق بينهما في العتق ، فجائز ، لأن العتق لا يمنع الحضانة ، أما إذا باع أحدهما دون الآخر ، فإن كان بعد بلوغ المولود سبع سنين ، فجائز ، لأن الولد يستغني عن الأم في هذا السن ، والأولى أن لا يفعل ، وإن كان دون سبع سنين ، فلا يجوز ، والبيع مردود عند بعض أهل العلم ، وبه قال الشافعي ، لما روي عن أبي أيوب ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من فرق بين والدة وولدها ، فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة" .

                                                                            وكذلك حكم الجدة ، وحكم الأب والجد ، وأجاز بعضهم البيع مع الكراهية ، وإليه ذهب أصحاب الرأي .

                                                                            كما يجوز التفريق في البهائم بين الأمهات وأولادها .

                                                                            وقال الشعبي : إنما كره التفريق بين السبايا في البيع ، فأما المولد ، فلا بأس .

                                                                            ورخص أكثرهم في التفريق بين الأخوين في البيع ، ومنع بعضهم ، لما روي عن علي بإسناد غريب ، قال : وهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غلامين أخوين ، فبعت أحدهما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما فعل غلامك ؟" فأخبرته ، [ ص: 336 ] فقال : " رده رده" ، وإذا وقع في السبي ولد مع أحد أبويه يجتهد الإمام حتى لا يفرق بينهما في القسمة ، وكذلك الإخوة والمحارم ، فإن فرق لغير ضرورة ، كرهه جماعة من أهل العلم .

                                                                            وذهب قوم إلى أنه يجوز ، إلا بين الولد الصغير والوالدين ، ثم اختلفوا في حد الكبر الذي يبيح التفريق ، قال الشافعي : هو أن يبلغ سبع سنين ، أو ثماني سنين ، وقال الأوزاعي : حتى يستغني عن أمه ، وقال مالك : حتى يثغر ، وقال أصحاب الرأي : حتى يحتلم ، وقال أحمد : لا يفرق بينهما ، وإن كبر واحتلم ، وجوز أصحاب الرأي التفريق بين الأخوين الصغيرين ، فإن كان أحدهما كبيرا ، لا يجوز . [ ص: 337 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية