الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب الولد للفراش .

                                                                            2378 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي، أنا زاهر بن أحمد، أنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو مصعب، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعيد بن أبي وقاص أن ابن وليدة زمعة مني، فاقبضه إليك، قالت: فلما كان عام [ ص: 276 ] الفتح أخذه سعد بن أبي وقاص، وقال: إن أخي قد كان عهد إلي فيه، فقام إليه عبد بن زمعة، فقال له: أخي وابن وليدة أبي، ولد على فراشه، فتساوقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال سعد: يا رسول الله إن أخي قد كان عهد إلي فيه، وقال عبد بن زمعة: أخي وابن وليدة أبي، ولد على فراشه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو لك يا عبد بن زمعة"، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش، وللعاهر الحجر"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسودة بنت زمعة: "احتجبي منه" لما رأى من شبهه بعتبة، فما رآها حتى لقي الله.

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد، عن إسماعيل، عن مالك، وأخرجه مسلم، عن قتيبة بن سعيد، عن ليث، كلاهما عن ابن شهاب، وقال مسدد، عن سفيان، عن الزهري، في هذا الحديث: "هو أخوك يا عبد" [ ص: 277 ] قال الإمام : كانت لأهل الجاهلية عادات في الأنكحة ، وفي أمر الإماء ، أبطلها الشرع ، فمن عادتهم في الأنكحة ما روي عن عائشة أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء : فنكاح منها نكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته ، أو ابنته ، فيصدقها ، ثم ينكحها ، ونكاح آخر ، كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها : أرسلي إلى فلان ، فاستبضعي منه ، ويعتزلها زوجها حتى يتبين حملها من ذلك الرجل ، فإذا تبين حملها ، أصابها زوجها إذا أحب ، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد ، فكان هذا نكاح الاستبضاع .

                                                                            ونكاح آخر يجتمع الرهط دون العشرة ، فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها ، فإذا حملت ووضعت ، ومرت ليال بعد أن تضع حملها ، أرسلت إليهم حتى يجتمعوا عندها ، تقول لهم : قد ولدت ، فهو ابنك يا فلان ، تسمي من أحبت ، فيلحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع الرجل .

                                                                            ونكاح رابع يجتمع الناس الكثير ، فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها ، وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علما ، فمن أرادهن دخل عليهن ، فإذا حملت إحداهن ، ووضعت حملها ، دعوا لهم القافة ، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون ودعي ابنه ، لا يمتنع من ذلك ، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم بالحق ، هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم . [ ص: 278 ] .

                                                                            قال الإمام : ومن عاداتهم في الإماء أنهم كانوا يقتنون الولائد ، ويضربون عليهم الضرائب ، فيكتسبن بالفجور ، وهن البغايا اللاتي ذكرهن الله عز وجل في قوله : ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ) ، وكانت سادتهم يلمون بهن ، ولا يجتنبونهن ، وكان من سيرتهم إلحاق الولد بالزنى ، فإذا جاءت الواحدة منهن بولد ، وكان سيدها يطؤها ، وقد وطئها غيره بالزنى ، فربما ادعاه الزاني وادعاه السيد ، فدعوا له القافة ، فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالولد لسيدها لإقراره بوطئها ، ومصيرها فراشا له بالوطء ، وأبطل ما كان عليه أهل الجاهلية من إثبات النسب بالزنى ، كما روي عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا مساعاة في الإسلام من ساعى في الجاهلية ، فقد لحق بعصبته ، ومن ادعى ولدا من غير رشدة ، فلا يرث ولا يورث" .

                                                                            والمراد بالمساعاة : الزنى ، وكان الأصمعي يجعل المساعاة في الإماء دون الحرائر ، لأنهن يسعين لمواليهن ، فيكتسبن لهم بضرائب كانت عليهن ، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم المساعاة في الإسلام ، ولم يلحق بها النسب ، وعفا عما كان منها في الجاهلية ، وأثبت به النسب ، وفي هذا كانت منازعة عبد بن زمعة ، وسعد بن أبي وقاص ، كانت لزمعة أمة يلم بها ، وكانت له عليها ضريبة ، وكان قد أصابها عتبة بن أبي وقاص ، وظهر بها حمل ، وهلك عتبة كافرا ، فعهد إلى أخيه سعد أن يستلحق ولد أمة زمعة ، وادعى عبد بن زمعة أنه أخي ولد على فراش أبي ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد بن زمعة بما يدعيه ، وأبطل دعوة الجاهلية . [ ص: 279 ] .

                                                                            وفي هذا الحديث من الفقه إثبات الدعوى في النسب كما في الأموال ، وفيه أن الأمة تصير فراشا بالوطء ، فإذا أقر السيد بوطئها ، ثم أتت بولد لمدة يمكن أن يكون منه ، يلحقه ، ولم يمكنه نفيه باللعان إلا أن يدعي الاستبراء بعد الوطء ، والوضع بعده بأكثر من ستة أشهر ، فحينئذ ينتفي عنه الولد .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية