الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب من أعتق مماليكه عند موته ولا مال له غيرهم.

                                                                            2423 - أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال، نا أبو العباس الأصم.

                                                                            ح وأنا أحمد بن عبد الله الصالحي، ومحمد بن أحمد العارف، قالا: أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، نا أبو العباس الأصم، أنا الربيع، أنا الشافعي، نا عبد الوهاب، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين، أن رجلا من الأنصار أوصى عند موته، فأعتق ستة مماليك، وليس له مال غيرهم، أو [ ص: 360 ] قال: أعتق عند موته ستة مماليك له، وليس له شيء غيرهم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال فيه قولا شديدا، ثم دعاهم، فجزأهم ثلاثة أجزاء، فأقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرق أربعة ".

                                                                            هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، وغيره، وعن إسماعيل بن علية، عن أيوب، وقال: أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم.

                                                                            وأبو المهلب اسمه عبد الرحمن بن عمرو ، ويقال : معاوية بن عمرو وهو عم أبي قلابة ، وأبو قلابة اسمه عبد الله بن زيد الجرمي .

                                                                            قال الإمام : في هذا دليل على أن العتق المنجز في مرض الموت ، وكذلك التبرع المنجز في مرض الموت ، كالمعلق بالموت في الاعتبار من الثلث ، وفي أن من لا يصح له الوصية لا يصح التبرع معه في مرض الموت ، ويفترقان في حكمين ، أحدهما : أنه يجوز له الرجوع عن المعلق بالموت ، لأن الملك لم يحصل للمتبرع عليه قبل الموت ، ولا يملك الرجوع عن المنجز بحصول الملك له .

                                                                            والثاني : أن في المنجز يقدم الأسبق ، فالأسبق وفي المعلق بالموت لا يقدم ما لم يقيد بيانه ، ولو قال في مرض موته [ ص: 361 ] لثلاثة أعبد له : سالم حر ، وغانم حر ، وزياد حر ، ولم يخرج من الثلث إلا واحد منهم ، عتق الأول ، وإن خرج اثنان من الثلث عتق الأولان ، وفي المعلق بالموت ، ولو قال : إذا مت ، فسالم حر ، وغانم حر ، وزياد حر ، ولم يخرج إلا واحد منهم من الثلث يقرع بينهم ، فإن قيد بالتأخير ، فقال : إذا مت ، فسالم حر ، ثم غانم حر ، ثم زياد حر ، أو قال : سالم حر ، وأعتقوا غانما ، ولم يخرج إلا واحد من الثلث ، عتق الأول .

                                                                            وفي الحديث إثبات القرعة بينهم إذا أعتقهم معا في مرض موته ، أو بعد موته ، ليتميز العتيق عن غيره ، فإن كانوا ثلاثة قيمهم سواء ، أقرع بينهم بسهمي رق ، وسهم حرية ، فمن خرج له سهم لحرية ، كان حرا من وقت إنشاء العتق ، وما اكتسب من ذلك الوقت فله ، ورق الآخران .

                                                                            وإن كانوا ستة ، جزأهم ثلاثة أجزاء على اعتبار القيمة ، فإن كانت قيمهم سواء ، جعل كل اثنين جزءا ، وإن تفاوتت قيمهم ، بأن كان ثلاث منهم قيمة كل واحد مائة ، وثلث قيمة كل واحد خمسون ، ضم كل واحد ممن قلت قيمته إلى واحد ممن كثرت قيمته ، ثم أقرع بينهم بسهمي رق ، وسهم حرية ، وإن لم يمكن التسوية بين الأجزاء في العدد بأن كانت قيمة واحد مائة ، وقيمة اثنين مائة ، وقيمة ثلاثة مائة ، جعل الواحد جزءا ، والاثنين جزءا ، والثلاثة جزءا ، وإن كانوا ثلاثة ، قيمة واحد مائة وخمسون ، وقيمة الآخر مائة ، وقيمة الثالث خمسون ، أقرع بينهم بسهمي رق ، وسهم حرية ، فإن خرجت القرعة للذي قيمته مائة وخمسون ، عتق ثلثاه ، وتم الثلث ، وإن خرجت القرعة للذي قيمته مائة ، عتق كله ، وهو ثلث ماله ، وإن خرجت القرعة للذي قيمته خمسون ، عتق كله ، ثم تعاد القرعة بين الآخرين ، فيقرع بينهما بسهم رق ، وسهم حرية ، فإن [ ص: 362 ] خرج سهم الحرية للذي قيمته مائة ، عتق نصفه ، وإن خرج للذي قيمته مائة وخمسون ، عتق ثلثه .

                                                                            وذهب إلى الإقراع جماعة من أهل العلم ، وهو قول عمر بن عبد العزيز ، وبه قال مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق .

                                                                            وذهب قوم إلى أنه لا يقرع ، بل يعتق من كل عبد ثلثه ، ويستسعى في ثلثيه للورثة حتى يعتق كله ، روي ذلك عن الشعبي ، والنخعي ، وهو قول أصحاب الرأي ، كما لو وهبهم ، أو أوصى به لإنسان ولا مال له غيرهم ، لا يجمع الهبة والوصية في واحد منهم بالقرعة ، بل ينفذ في ثلث كل واحد منهم ، كذلك العتق ، وهذا قياس لا ترد به السنة ، ولأن العتق مبناه على التغليب ، والتكميل ، إذا وجد إليه السبيل ، وعلى هذا لو أعتق عبدا في مرض موته لا مال له سواه ، عتق ثلثه عند مالك ، والشافعي ، وثلثاه يكون رقيقا للورثة ، وعند أصحاب الرأي يستسعى في الثلثين .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية