الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب من تزوج بلا مهر.

                                                                            2304 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي، أنا زاهر بن أحمد، أنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو مصعب، عن مالك، عن نافع، أن ابنة عبيد الله بن عمر، وأمها بنت زيد بن الخطاب كانت تحت ابن لعبد الله بن عمر، فمات، ولم يدخل بها، ولم يسم لها صداقا، فابتغت أمها صداقها، فقال عبد الله بن عمر: "ليس لها صداق، ولو كان لها صداق لم نمسكه، ولم نظلمها، فأبت أن تقبل ذلك، فجعلوا بينهما زيد بن ثابت، فقضى أن لا صداق لها، ولها الميراث".

                                                                            قال الإمام رحمه الله : إذا رضيت المرأة البالغة بأن تزوج بلا مهر فزوجت ، فلا مهر لها بالعقد ، وللمرأة مطالبته بعد ذلك بالفرض ، فإن فرض لها شيئا ، فهو كالمسمى في العقد ، وإن دخل بها قبل الفرض ، فلها مهر مثل نساء عصبتها من أختها ، وعمتها ، وبنات أخيها ، وبنات عمها دون أمها ، وخالاتها ، لأن نسب أمها ، وخالاتها لا يرجع إلى نسبها . [ ص: 126 ] .

                                                                            وإن مات أحدهما قبل الدخول ، فاختلف أهل العلم في أنها هل تستحق المهر ؟ فذهب جماعة إلى أنه لا صداق لها ، ولها الميراث ، وعليها العدة ، وهو قول علي بن أبي طالب ، وزيد بن ثابت ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس .

                                                                            وذهب جماعة إلى أن لها مهر مثلها ، لأن الموت كالدخول في تقرير المسمى ، فكذلك في إيجاب مهر المثل إذا لم يكن في العقد مسمى ، وهو قول الثوري ، وأحمد ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي ، واحتجوا بما روي عن علقمة ، عن ابن مسعود ، أنه سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا ، ولم يدخل بها حتى مات ، فقال ابن مسعود : لها صداق نسائها ، لا وكس ولا شطط ، وعليها العدة ، ولها الميراث ، فقام معقل بن سنان الأشجعي ، فقال : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق امرأة منا مثل ما قضيت ، ففرح بها ابن مسعود . [ ص: 127 ] .

                                                                            وقال الشافعي : فإن كان يثبت حديث بروع بنت واشق ، فلا حجة في قول أحد دون النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال مرة : عن معقل بن يسار ، ومرة عن معقل بن سنان ، ومرة عن بعض أشجع ، وإن لم يثبت ، فلا مهر لها ، ولها الميراث ، أما إذا تزوج صغيرة بلا مهر ، فلها مهر مثلها بنفس العقد ، لأن البخس بحقها لا يجوز ، وقيل : لا يصح العقد .

                                                                            ولو نكح امرأة ، وسمى لها صداقا ، فاختلف أهل العلم في كراهية الدخول عليها قبل أن يعطي شيئا من المهر ، فكرهه جماعة ، منهم : عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وإليه ذهب قتادة ، والزهري ، وقال مالك : لا يدخل حتى يقدم شيئا من صداقها أدناه ربع دينار ، أو ثلاثة دراهم ، سواء كان فرض لها ، أو لم يفرض .

                                                                            وكان الشافعي يقول في القديم : إن لم يسم لها مهرا ، كرهت أن يطأها قبل أن يسمي أو يعطيها شيئا ، وقول سفيان الثوري قريب من هذا .

                                                                            ورخص في ذلك جماعة منهم : سعيد بن المسيب ، والحسن البصري ، والنخعي ، وهو قول أحمد ، وإسحاق .

                                                                            ولو شرط الولي لنفسه مالا في عقد النكاح ، فاختلف أهل العلم في لزومه ، فذهب بعضهم إلى أنه يفسد به المسمى ، ويجب للمرأة مهر المثل ، ولا شيء للولي ، وهو قول الشافعي .

                                                                            وذهب جماعة إلى أن ما شرط الولي لنفسه يكون للمرأة كله ، روي ذلك عن عطاء ، وطاوس ، وهو قول مالك ، والثوري . [ ص: 128 ] .

                                                                            وقال أحمد : ما شرط الأب لنفسه يكون له دون سائر الأولياء ، لأن يد الأب مبسوطة في مال ولده ، روي عن علي بن الحسين ، أنه زوج ابنته ، واشترط لنفسه مالا ، وعن مسروق أنه زوج ابنته ، وشرط لنفسه عشرة آلاف درهم يجعلها في الحج والمساكين .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية