الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب فيمن طلق البكر ثلاثا.

                                                                            2359 - أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال، نا أبو العباس الأصم.

                                                                            ح وأنا أحمد بن عبد الله الصالحي، ومحمد بن أحمد العارف، قالا: أنا أبو بكر الحيري، نا أبو العباس الأصم، أنا الربيع، أنا الشافعي، أنا مسلم، وعبد المجيد، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه، أن أبا الصهباء قال لابن عباس: " إنما كانت الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تجعل واحدة وأبي بكر وثلاث من إمارة عمر، فقال ابن عباس: نعم ". [ ص: 229 ] .

                                                                            هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم، عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: "إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم".

                                                                            قال الإمام : اختلف الناس في تأويل هذا الحديث ، لأن نسخ الحكم لا يتصور بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانقطاع الوحي .

                                                                            قال أبو العباس ابن سريج : يمكن أن يكون ذلك في نوع خاص من الثلاث ، وهو أن يقول لها : أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق ، فإن كان قصده الإيقاع بكل لفظة ، تقع الثلاث ، وإن كان قصده التوكيد ، والتكرار ، فلا يقع إلا واحدة ، فكان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعهد أبي بكر ، والناس على صدقهم ، وسلامتهم ، لم يظهر فيهم الخب ، [ ص: 230 ] والخداع ، كانوا يصدقون أنهم أرادوا بها التوكيد ، فلما رأى عمر في زمانه أمورا ظهرت ، وأحوالا تغيرت ، ألزمهم الثلاث .

                                                                            قال الإمام : وهذا بين في قوله : إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة .

                                                                            ومنهم من تأوله على غير المدخول بها ، فقد روى أيوب عن غير واحد ، عن طاوس ، أن أبا الصهباء قال لابن عباس : أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، وصدرا من إمارة عمر ؟ فأقر به ابن عباس ، وذهب إلى هذا جماعة من أصحاب عبد الله بن عباس ، منهم : سعيد بن جبير ، وطاوس ، وأبو الشعثاء ، وعمرو بن دينار ، وقالوا : من طلق البكر ثلاثا ، فهي واحدة .

                                                                            وعامة أهل العلم على خلاف قولهم . [ ص: 231 ] .

                                                                            وإنما اختلفوا فيما إذا قال لغير المدخول بها : أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق ، قاله ثلاثا : فذهب جماعة إلى أنه لا يقع إلا واحدة ، لأنها تبين باللفظة الأولى ، فلا حكم لما بعدها ، وهو قول سفيان الثوري ، والشافعي ، وأصحاب الرأي ، وأحمد ، وإسحاق ، وذهب جماعة إلى وقوع الثلاث كما في المدخول بها ، وهو قول ربيعة ، ومالك ، وابن أبي ليلى ، والأوزاعي ، والليث بن سعد .

                                                                            وتأول بعضهم حديث ابن عباس على طلاق البتة ، كان عمر يراها واحدة ، فلما تتايع الناس فيه ألزمهم الثلاث .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية