الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب رضاعة الكبير.

                                                                            قال الله سبحانه وتعالى: ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ) . [ ص: 83 ] .

                                                                            2285 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، نا محمد بن إسماعيل، نا أبو الوليد، نا شعبة، عن الأشعث، عن أبيه، عن مسروق، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها رجل، فكأنه تغير وجهه، كأنه كره ذلك، فقالت: إنه أخي، فقال: "انظرن ما إخوانكن، فإنما الرضاعة من المجاعة".

                                                                            هذا حديث متفق على صحته ، أخرجه مسلم ، عن محمد بن مثنى ، ومحمد بن بشار ، عن محمد بن جعفر ، عن شعبة .

                                                                            ومعنى قوله : " إنما الرضاعة من المجاعة" .

                                                                            أي : الرضاعة التي تثبت بها الحرمة ما يكون في الصغر حين يكون الرضيع طفلا يسد اللبن جوعته ، فأما ما كان بعد بلوغ الصبي حدا لا يسد اللبن جوعته ، ولا يشبعه إلا الحب وما في معناه من الثفل ، فلا تثبت به الحرمة . [ ص: 84 ] .

                                                                            وروي عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " لا رضاع إلا ما أنشر العظم ، وأنبت اللحم" .

                                                                            وعن عائشة ، قالت : " يحرم من الرضاع ما أنبت اللحم والدم" .

                                                                            ويروى : ما شد العظم ، وهو المراد من الإنشار أيضا ، من يروي بالراء غير المعجمة ، والإنشار : الإحياء في قوله سبحانه وتعالى : ( ثم إذا شاء أنشره ) ، ويروى : ما أنشز العظم بالزاي المعجمة ، معناه : زاد في حجمه فنشز .

                                                                            وروي عن أم سلمة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء" .

                                                                            واختلف أهل العلم في تحديد مدة الرضاع ، فذهب جماعة إلى أنها حولان ، لقوله تعالى ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ) .

                                                                            فدل على أن الحولين تمام مدتها ، فإذا انقضت ، فقد انقطع حكمها ، يروى معناه عن عمر ، وابن مسعود ، وأبي هريرة ، وأم سلمة ، وهو قول سفيان الثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، ويحكى عن مالك أن [ ص: 85 ] جعل حكم الزيادة على الحولين ، إذا كان يسيرا حكم الحولين وقال أبو حنيفة : مدة الرضاع ثلاثون شهرا ، لقوله عز وجل : ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) ، وهو عند الأكثرين لأقل مدة الحمل ، وأكثر مدة الرضاع ، والفصال : الفطام ، ومنه قوله عز وجل : ( فإن أرادا فصالا ) أي : فطاما .

                                                                            وقال بعضهم : مدة الرضاع ثلاث سنين ، وقد روي عن عائشة ، أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة كان تبنى سالما ، وأنكحه بنت أخيه هند بنت الوليد بن عتبة ، وهو مولى لامرأة من الأنصار ، كما تبنى النبي صلى الله عليه وسلم زيدا ، وكان من تبنى رجلا في الجاهلية ، دعاه الناس إليه ، وورث من ميراثه حتى أنزل الله سبحانه وتعالى : ( ادعوهم لآبائهم ) إلى قوله ( فإخوانكم في الدين ومواليكم ) ، فردوا إلى آبائهم ، فمن لم يعلم له أب ، كان مولى وأخا في الدين ، فجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو امرأة أبي حذيفة ، فقالت : يا رسول الله ، إنا كنا نرى سالما ولدا ، فكان يراني فضلا ، وقد أنزل الله فيهم ما قد علمت ، فكيف ترى ؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : " أرضعيه خمس رضعات تحرمي عليه" .

                                                                            فأخذت بذلك عائشة فيمن كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال ، فكانت تأمر أختها أم كلثوم ، وبنات أخيها أن يرضعن من أحبت أن يدخل عليها من الرجال خمس رضعات ، وأبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس ، وقلن : ما نرى الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم سهلة إلا رخصة في سالم وحده ، لا يدخل علينا بهذه الرضاعة أحد . [ ص: 86 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية