الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2380 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي، أنا زاهر بن أحمد، أنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو مصعب، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، [ ص: 280 ] عن أبيه، أن عمر بن الخطاب، قال: "ما بال رجال يطؤون ولائدهم، ثم يعزلونهن، لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أن قد ألم بها إلا ألحقت به ولدها، فاعزلوا بعد، أو اتركوا".

                                                                            قال الإمام : وفي الحديث أن من مات ، فأقر وارثه بابن له ، ثبت نسبه ، وإن كان المقر واحدا بعد أن كان ممن يحوز جميع ميراث الميت ، فإن مات عن عدد من الورثة ، فأقر بعضهم بنسب ، وأنكر بعضهم ، فلا يثبت النسب ، ولا الميراث ، فإن قيل : لم يوجد في قصة وليد زمعة إقرار جميع الورثة ، لأنه أقر به عبد بن زمعة وحده ، وكانت أخته سودة تحت النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن من جهتها إقرار ولا دعوى .

                                                                            قيل : قد روي أنه لم يكن لزمعة يوم مات وارث غير ابنه عبد بن زمعة ، لأنه مات كافرا ، وأسلمت سودة في حياته ، وأسلم عبد بن زمعة ، بعده ، فكان ميراثه لعبد وحده ، وقد لا ينكر إن ثبت كون سودة من الورثة أن تكون قد وكلت أخاها بالدعوى ، أو أقرت بذلك ، عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن لم يذكر في القصة ، والاعتبار في هذا بقول من يستحق التركة بالإرث ، سواء كان استحقاقه بنسب ، أو نكاح ، أو ولاء ، فلو مات عن ابن ، فأقر بأخ له ، لحقه ، واشتركا في [ ص: 281 ] الميراث ، ولو كان معه زوجة فأنكرت لم يثبت ، ولو مات عن بنت ، فأقرت بأخ لها ، لم يثبت ، لأنها لا ترث جميع المال ، فإن كانت معتقة أبيها ، ثبت ، ولو مات عن ابن ، فأقر بأخ للميت ، فهو يلحق النسب بالجد ، فإن مات جده بعد أبيه ، يثبت إذا كان هو ممن ورث جميع تركة الجد ، وإن مات جده قبل أبيه يشترط أن يكون هذا حائزا جميع تركة من حاز تركة الجد حتى يثبت بقوله النسب ، ولو أقر بوارث يحجب المقر ، يثبت بقوله النسب دون الميراث ، مثل أن مات عن أخ ، فأقر بابن للميت ، يثبت نسب الابن بإقرار الأخ ، ولا ميراث للابن ، لأنه لو ورث حجب الأخ ، وإقرار المحجوب لا يثبت به النسب ، ففي إثبات الميراث له نفي نسبه ، فأثبتنا النسب ومنعنا الميراث ، هذا كله على مذهب الشافعي ، ومعنى قوله .

                                                                            وذهب أصحاب الرأي إلى أن النسب لا يثبت بقول الواحد ، ولا يشترط إقرار من يرث جميع المال ، بل يشترط عدد الشهادة ، فإن من مات عن بنين وبنات ، فأقر منهم ابنان أو ابن وبنتان يثبت النسب ، والميراث ، وإن أنكر الباقون ، والحديث حجة للقول الأول .

                                                                            ولو مات عن بنين ، فأقر بعضهم بأخ آخر ، وأنكر الآخرون ، فلا نسب ولا ميراث للمقر به ، عند بعض أهل العلم ، وهو قول الشافعي ، وذهب قوم إلى أنه يدخل في الميراث مثل أن كانا أخوين أقر أحدهما بأخ ثالث ، وأنكر الآخر ، لا يثبت النسب بالاتفاق ، ثم عند أبي حنيفة يأخذ المقر به نصف ما في يد المقر ، وقال ابن أبي ليلى ، وأبو يوسف : يأخذ ثلث ما في يد المقر .

                                                                            ولو مات عن ابنين ، فأقر أحدهما بدين على الميت ، وأنكر الآخر ، [ ص: 282 ] لا يجب على المقر إلا نصف المقر به على أظهر القولين .

                                                                            وقال في القديم : يجب عليه جميع الدين إلا أن تكون حصته من التركة أقل من الدين ، فلا يلزمه أكثر مما خصه ، ولو شهد اثنان من الورثة بدين لإنسان على الميت ، فعلى القول الأول يقبل ، ويثبت في جميع التركة ، وهو قول الحسن ، والحكم ، ومالك ، وعلى القول الآخر : لا يقبل ، ويكون كالإقرار ، فيكون من نصيبهما ، وهو قول إبراهيم النخعي ، وأصحاب الرأي .

                                                                            وأما أمره سودة بالاحتجاب عنه بعد الحكم بالأخوة ، فعلى معنى الاستحباب والتنزه عن الشبهة ، لما رأى من شبه الغلام بعتبة ، والاحتراز عن مواضع الشبه من باب الدين ، وقوله : " الولد للفراش" ، يعني : لصاحب الفراش وهو الزوج ، أو مالك الأمة ، لأنه يفترشها بالحق ، وقوله : " للعاهر الحجر" .

                                                                            فالعاهر : الزاني ، يقال : عهر إليها يعهر : إذا أتاها للفجور ، والعهر : الزنا ، وقيل : أراد بالحجر الرجم بالحجارة . [ ص: 283 ] .

                                                                            وقيل : ليس كذلك ، لأنه ليس كل زان يرجم ، وإنما يرجم بعض الزناة ، وهو المحصن ، وإنما معنى الحجر هنا الخيبة والحرمان ، يعني : لا حظ له في النسب ، كقول الرجل لمن خيبه وآيسه من الشيء : ليس لك غير التراب ، وما في يدك إلا الحجر .

                                                                            وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " إن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه ترابا" .

                                                                            وأراد به الحرمان والخيبة ، وقد كان بعض السلف يرى أن يوضع التراب في كفه جريا على ظاهر الحديث .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية