الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، ببغداد، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد بن عتاب، حدثنا القاسم بن عبد الله بن المغيرة، قال: حدثنا ابن أبي أويس، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن عمه، موسى بن عقبة، في فتح مكة، قال: " ثم إن بني نفاثة من بني الدئل أغاروا على بني كعب، وهم في المدة التي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش، وكانت بنو كعب في صلح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت بنو نفاثة في صلح قريش، فأعانت بنو بكر بني نفاثة، وأعانتهم قريش بالسلاح والرقيق، واعتزلتهم بنو مدلج، ووفوا بالعهد الذي كانوا عاهدوا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي بني الدئل [ ص: 10 ] رجلان هما سيداهم: سلم بن الأسود، وكلثوم بن الأسود، ويذكرون أن ممن أعانهم صفوان بن أمية، وشيبة بن عثمان، وسهيل بن عمرو فأغارت بنو الدئل على بني عمرو وعامتهم - زعموا - نساء وصبيان وضعفاء الرجال، فألجؤوهم وقتلوهم حتى أدخلوهم دار بديل بن ورقاء بمكة، فخرج ركب من بني كعب حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا له الذي أصابهم، وما كان من قريش عليهم في ذلك، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ارجعوا" فتفرقوا في البلدان، وخرج أبو سفيان من مكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخوف الذي كان، فقال: يا محمد، اشدد العقد، وزدنا في المدة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولذلك قدمت؟ هل كان من حدث قبلكم؟" قال: معاذ الله، نحن على عهدنا وصلحنا يوم الحديبية، لا نغير ولا نبدل، فخرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى أبا بكر فقال: جدد العقد، وزدنا في المدة، فقال أبو بكر: جواري في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لو وجدت الذر تقاتلكم لأعنتها عليكم، ثم خرج فأتى عمر بن الخطاب فكلمه، فقال عمر: ما كان من حلفنا جديدا فأخلقه الله، وما كان منه مثبتا فقطعه الله، وما كان منه مقطوعا فلا وصله الله، فقال له أبو سفيان: جزيت من ذي رحم سوءا، ثم دخل على عثمان فكلمه فقال عثمان: جواري في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم اتبع أشراف قريش والأنصار يكلمهم، فكلهم يقول: عقدنا في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما يئس مما عندهم دخل على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمها فقالت: إنما أنا امرأة، وإنما ذاك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال: فأمري أحد ابنيك، قالت: إنما هما صبيان ليس مثلهما يجير، قال: فكلمي عليا، قالت: أنت فكلمه، فكلم عليا، فقال: يا أبا سفيان إنه ليس أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتات على رسول الله صلى الله عليه وسلم بجوار، وأنت سيد قريش [ ص: 11 ] وأكبرها وأمنعها، فأجر بين عشيرتك، قال: صدقت، وأنا كذلك، فخرج فصاح: ألا إني قد أجرت بين الناس، ولا والله لا أظن أن يخفرني أحد، ثم دخل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد قد أجرت بين الناس، ولا والله ما أظن أن يخفرني أحد ولا يرد جواري، فقال: "أنت تقول ذلك يا أبا حنظلة" فخرج أبو سفيان على ذلك فزعموا والله أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين أدبر أبو سفيان: "اللهم خذ على أسماعهم وأبصارهم فلا يرونا إلا بغتة، ولا يسمعون بنا إلا فجأة" .

                                        وقدم أبو سفيان مكة فقالت له قريش: ما وراءك؟ هل جئت بكتاب من محمد أو عهده، قال: لا، والله لقد أبى علي، وقد تتبعت أصحابه فما رأيت قوما لملك عليهم أطوع منهم له، غير أن علي بن أبي طالب قد قال لي: لم تلتمس جوار الناس على محمد، ولا تجير أنت عليه وعلى قومك وأنت سيد قريش وأكبرها وأحقها أن لا يخفر جواره؟ فقمت بالجوار، ثم دخلت على محمد فذكرت له أن قد أجرت بين الناس، وقلت: ما أظن أن تخفرني، فقال: أنت يا أبا حنظلة تقول ذلك؟ فقالوا مجيبين له: رضيت بغير رضا وجئتنا بما لا يغني عنا ولا عنك شيئا، وإنما لعب بك علي، لعمرو الله ما جوارك بجائر، وإن إخفارك عليهم لهين، ثم دخل على امرأته فحدثها الحديث، فقالت: فتح الله من وافد قوم فما جئت بخير، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم سحابا فقال: إن هذا السحاب لينصب بنصر بني كعب.

                                        فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يمكث بعد ما خرج من عنده أبو سفيان، ثم أعذر في الجهاز، وأمر عائشة أن تجهزه وتخفي ذلك، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، أو إلى بعض حاجاته، فدخل أبو بكر على عائشة فوجد عندها حنطة تنسف، أو تنقى، فقال لها: يا بنية، لماذا تصنعين هذا الطعام؟ فسكتت، فقال: أيريد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغزو؟ فصمتت، فقال: لعله [ ص: 12 ] يريد بني الأصفر، وهم الروم، فذكر من ذلك أمرا فيه منهم بعض المكروه في ذلك الزمان، فصمتت، قال: فلعله يريد أهل نجد فذكر منهم نحوا من ذلك فصمتت، قال: فلعله يريد قريشا وإن لهم مدة فصمتت، قال: فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أتريد أن تخرج مخرجا؟ قال: "نعم" .

                                        قال: لعلك تريد بني الأصفر؟ قال: "لا" قال: أفتريد أهل نجد؟ قال: "لا" قال: فلعلك تريد قريشا؟ قال: نعم، قال أبو بكر: يا رسول الله أليس بينك وبينهم مدة، قال: ألم يبلغك ما صنعوا ببني كعب؟ وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بالغزو، وكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش، وأطلع الله رسوله صلى الله عليه وسلم على الكتاب "
                                        وذكر القصة.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية