الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 310 ] [ ص: 311 ] [ ص: 312 ] [ ص: 313 ] باب وفد عطارد بن حاجب في بني تميم

                                        أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا أحمد بن عبد الجبار ، حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق ، قال: وقدمت وفود العرب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدم عليه عطارد بن حاجب بن زرارة التميمي في أشراف من بني تميم منهم: الأقرع بن حابس، والزبرقان بن بدر، وعمرو بن الأهتم، والحبحاب بن يزيد، ونعيم بن زيد، وقيس بن الحارث، وقيس بن عاصم في وفد عظيم من تميم، فيهم: عيينة بن حصن الفزاري، وكان الأقرع وعيينة شهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا والفتح والطائف، فلما قدم وفد بني تميم دخل معهم، فلما دخل وفد بني تميم المسجد نادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات: أن اخرج إلينا يا محمد، فآذى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من صياحهم، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا محمد، إنا قد جئناك لنفاخرك فائذن لشاعرنا وخطيبنا، فقال: "نعم، قد أذنت لخطيبكم، فليقم" ، فقام عطارد بن حاجب، فقال: الحمد لله الذي جعلنا ملوكا، الذي له الفضل علينا، والذي وهب لنا أموالا عظاما، نفعل بها المعروف، وجعلنا أعز أهل المشرق، وأكثره عددا وأيسره عدة، فمن مثلنا في الناس؟ ألسنا رؤوس الناس وأولي فضلهم؟ فمن فاخرنا فليعد مثل ما عددنا، فلو شئنا لأكثرنا من [ ص: 314 ] الكلام، ولكنا نستحي من الإكثار لما أعطانا، أقول هذا لأن تأتوا بمثل قولنا وأمر أفضل من أمرنا، ثم جلس.

                                        فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن الشماس: "قم فأجبه" ، فقام فقال: الحمد لله الذي السموات والأرض خلقه، قضى فيهن أمره، ووسع كرسيه علمه، ولم يكن شيء قط إلا من فضله، ثم كان من فضله أن جعلنا ملوكا، واصطفى من خير خلقه رسولا أكرمه نسبا، وأصدقه حديثا، وأفضله حسبا، فأنزل عليه الكتاب، وائتمنه على خلقه، فكان خيرة الله من العالمين، ثم دعا الناس إلى الإيمان بالله فآمن به المهاجرون من قومه، وذوي رحمه أكرم الناس أحسابا وأحسنهم وجوها، وخير الناس فعلا، ثم كان أول الخلق إجابة واستجاب الله حين دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن، فنحن أنصار الله ووزراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، نقاتل الناس حتى يؤمنوا، فمن آمن بالله ورسوله منع ماله ودمه، ومن نكث جاهدناه في الله أبدا، وكان قتله علينا يسيرا.

                                        أقول هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات، والسلام عليكم.

                                        ثم ذكر قيام الزبرقان بن بدر وإنشاده، وجواب حسان بن ثابت إياه [ ص: 315 ] .

                                        فلما فرغ حسان بن ثابت من قوله قال الأقرع: وأبي إن هذا الرجل خطيبه أخطب من خطيبنا، وشاعره أشعر من شاعرنا، وأصواتهم أعلى من أصواتنا.

                                        فلما فرغوا أجازهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحسن جوائزهم، وكان عمرو بن الأهتم قد خلفه القوم في ظهرهم، وكان من أحدثهم سنا، فقال قيس بن عاصم وكان يبغض ابن الأهتم: يا رسول الله، عليك السلام، إنه قد كان غلاما منا في رحالنا، وهو غلام حدث وأزرى به، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما أعطى القوم، فقال عمرو بن الأهتم حين بلغه ذلك من قول قيس يهجوه، فذكر أبياتا قالهن.


                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية