الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل، قال: أنبأنا عبد الله بن جعفر، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان، قال: حدثنا زيد بن المبارك الصنعاني، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، قال: "كان معاذ بن جبل رجلا سمحا شابا حليما، من أفضل شباب قومه، حتى إذا كان عام فتح مكة، بعثه النبي صلى الله عليه وسلم على طائفة من اليمن أميرا، فمكث حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قدم في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وخرج إلى الشام" كذا في هذه الرواية، وقد مضى في هذا الكتاب ما دل على أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف معاذا على مكة عام فتحها مع عتاب بن أسيد ليعلم أهلها، ثم كان معه في غزوة تبوك ، فالأشبه أنه بعثه إلى اليمن بعد ذلك.

                                        وقد أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري، ببغداد، أنبأنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا أحمد بن منصور، حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك، قال: " كان معاذ بن جبل شابا جميلا سمحا من خير شباب قومه لا يسأل شيئا إلا أعطاه حتى دان عليه دينا أغلق ماله، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلم غرماءه ففعل، فلم يضعوا له شيئا فلو ترك لأحد بكلام أحد لترك لمعاذ بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فلم يبرح أن باع ماله وقسمه بين غرمائه، قال: فقام معاذ ولا مال له، قال: فلما حج النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن يستجبره، قال: فكان أول من تجر [ ص: 406 ] في هذا المال معاذ، قال: فقدم على أبي بكر رضي الله عنه من اليمن وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه عمر فقال: هل لك أن تطيعني؟ تدفع هذا المال إلى أبي بكر فإن أعطاكه فاقبله، قال: فقال معاذ: لم أدفعه إليه وإنما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجبرني، فلما أبى عليه انطلق عمر إلى أبي بكر فقال: أرسل إلى هذا الرجل فخذ منه ودع له، فقال أبو بكر: ما كنت لأفعل، إنما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجبره فلست بآخذ منه شيئا، قال: فلما أصبح معاذ انطلق إلى عمر، فقال: ما أراني إلا فاعلا الذي قلت، رأيتني البارحة في النوم - أحسب عبد الرزاق، قال - أجر إلى النار وأنت آخذ بحجزتي، قال: فانطلق إلى أبي بكر بكل شيء جاء به حتى جاء بسوطه، وحلف له أنه لم يكتمه شيئا، قال: فقال أبو بكر رضي الله عنه: هو لك لا آخذ منه شيئا " كذا في هذه الرواية، فلما حج ويحتمل أن يكون أراد: فلما أراد أن يحج، والله أعلم، ولرؤيا معاذ بن جبل هذا شاهد آخر.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية