الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 119 ] باب غزوة حنين وما ظهر فيها على النبي صلى الله عليه وسلم من آثار النبوة

                                        أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، قالا [ ص: 120 ] : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: حدثنا عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه جابر بن عبد الله، وعمرو بن شعيب، والزهري، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم، وعبد الله بن المكدم بن عبد الرحمن الثقفي، عن حديث حنين حين سار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وساروا إليه، فبعضهم يحدث ما لا يحدث به بعض، وقد اجتمع حديثهم [ ص: 121 ] : "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم" لما فرغ من فتح مكة، جمع مالك بن عوف النصري بني نصر، وبني جشم، وبني سعد بن بكر، وأوزاعا من بني هلال، وهم قليل، وناسا من بني عمرو بن عامر، وعوف بن عامر، وأوعيت معه ثقيف الأحلاف وبنو مالك، ثم سار بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وساق معه الأموال والنساء والأبناء، فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي، فقال: "اذهب فادخل في القوم حتى تعلم لنا من علمهم" ، فدخل فيهم فمكث فيهم يوما أو اثنين، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: "ألا تسمع ما يقول ابن أبي حدرد؟" ، فقال عمر رضي الله عنه: كذب، فقال ابن أبي حدرد: والله لئن كذبتني يا عمر لربما كذبت بالحق، فقال عمر: ألا تسمع يا رسول الله ما يقول ابن أبي حدرد؟ فقال: "قد كنت يا عمر ضالا فهداك الله" ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صفوان بن أمية، فسأله أدراعا عنده مائة درع وما يصلحها من عدتها، فقال: أغصبا يا محمد؟ فقال: "بل عارية مضمونة حتى نؤديها عليك" ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرا " زاد أبو عبد الله في روايته قال: ابن إسحاق، حدثنا الزهري، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين في ألفين من مكة، وعشرة آلاف كانوا معه فسار بهم قال ابن إسحاق: واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس على مكة أميرا " وزاد أيضا عن ابن إسحاق بإسناده الأول " أن مالك بن عوف أقبل فيمن معه ممن جمع من قبائل قيس، وثقيف، ومعه دريد بن الصمة شيخ كبير في شجار [ ص: 122 ] له يعاد به حتى نزل الناس بأوطاس، فقال دريد حين نزلوا بأوطاس فسمع رغاء البعير ونهيق الحمير ويعار الشاء وبكاء الصغير: بأي واد أنتم؟ فقالوا: بأوطاس، قال: نعم مجال الخيل، لا حزن ضرس ولا سهل دهس، ما لي أسمع رغاء البعير وبكاء الصغير ونهيق الحمار ويعار الشاء؟ فقالوا: ساق مالك مع الناس أموالهم، وذراريهم، ونساءهم.

                                        قال: فأين مالك؟ فدعي مالك، فقال: يا مالك إنك قد أصبحت رئيس قومك وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام، فما دعاك إلى أن تسوق مع الناس أموالهم، وأبناءهم، ونساءهم؟ قال: أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله، وأمواله ليقاتل عنهم، قال: فانقض به دريد وقال: يا راعي ضأن والله، وهل يرد وجه المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك، فارفع الأموال، والنساء، والذراري إلى علياء قومهم، وممتنع بلادهم.

                                        ثم قال دريد: وما فعلت كعب وكلاب؟ فقالوا: لم يحضرها منهم أحد ، [ ص: 123 ] فقال: غاب الحد، والجد، لو كان يوم علاء ورفعة لم تغب عنه كعب وكلاب، ولوددت لو فعلتم ما فعلت كعب وكلاب، فمن حضرها؟ فقالوا: عمر بن عامر، وعوف بن عامر، فقال: ذانك الجذعان لا يضران ولا ينفعان، فكره مالك أن يكون لدريد فيها رأي، فقال: إنك قد كبرت وكبر علمك، والله لتطيعن يا معشر هوازن أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري، فقالوا: أطعناك.

                                        ثم قال مالك للناس: إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم، ثم شدوا شدة رجل واحد " قال ابن إسحاق: حدثني أمية بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، أنه حدث " أن مالك بن عوف بعث عيونا ممن معه فأتوه وقد تقطعت أوصالهم، فقال: ويلكم ما شأنكم؟ فقالوا: أتأنا رجال بيض على خيل بلق، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى، فما رده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد ".

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية