الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أنبأنا أبو جعفر البغدادي، قال: حدثنا أبو علاثة محمد بن عمرو بن خالد، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير.

                                        (ح) وأنبأنا أبو الحسين بن الفضل القطان، قال: أنبأنا أبو بكر بن عتاب العبدي، قال: حدثنا القاسم بن عبد الله بن المغيرة، قال: حدثنا ابن أبي أويس، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن عمه موسى بن عقبة، قالا: وهذا لفظ حديث موسى بن عقبة قال: " ثم قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم أو ما شاء الله منها، وأكثر لأهل مكة من قريش القسم، وأجزل لهم، وقسم لغيرهم ممن [ ص: 180 ] خرج إلى حنين استئلافا لهم، حتى إنه ليعطي الرجل الواحد مائة ناقة، والآخر ألف شاة، وزوى كثيرا من القسم عن أصحابه، فوجدت الأنصار في أنفسها من ذلك، وقالوا: نحن أصحاب كل موطن شدة، ثم آثر قومه علينا، وقسم فيهم قسما لم يقسمه لنا، وما نراه فعل ذلك إلا وهو يريد الإقامة بين ظهرانيهم، فلما بلغ ذلك من قولهم النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في منزلهم، فجمعهم، وقال: "من كان هاهنا من غير الأنصار فليرجع إلى رحله" ، فتشهد ثم قال: "حدثت أنكم عتبتم في الغنائم أن آثرت بها ناسا أستألفهم على الإسلام ولعلهم يفقهون، وقد أدخل الله تعالى قلوبكم الإيمان، وخصكم بالكرامة، وسماكم أحسن الأسماء، أفلا ترضون أن يذهب الناس بالغنائم وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالله لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس واديا وسلكتم واديا لسلكت واديكم، فارضوا فإنما أنتم شعار والناس دثار" ، فلما سمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بكوا فكثر بكاؤهم، وقالوا: الله ورسوله أمن وأفضل، قال: "ارجعوا إلي فيما كلمتكم به" ، قالوا: وجدتنا يا رسول الله في ظلمات فأخرجنا الله منها بك إلى الجنة، ووجدتنا على شفا حفرة من النار فأنقذنا الله بك، ووجدتنا ضالين فهدانا الله بك، ووجدتنا أذلة قليلا فأعزنا الله تعالى بك وكثرنا، فرضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، فافعل ما شئت، فأنت يا رسول الله في حل محلل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما والله لو أجبتموني بغير هذا لقلت صدقتم، لو قلتم: ألم تأتنا طريدا فآويناك، ومكذبا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وقبلنا ما رد عليك الناس، لقلت: صدقتم".

                                        قالت الأنصار: بل لله ولرسوله علينا وعلى غيرنا المن والفضل، ثم بكوا الثانية حتى [ ص: 181 ] كثر بكاؤهم وبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم، وكانوا بالذي سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم من القول أقر عينا، وأشد اغتباطا منهم بالمال" وقال عباس بن مرداس السلمي حين رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم الغنائم وهو يستكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم:


                                        كانت نهابا تلافيتها بكري على المهر في الأجرع     وإيقاظي القوم أن يرقدوا
                                        إذا هجع الناس لم أهجع     فأصبح نهبي ونهب العبيد
                                        بين عيينة والأقرع     وقد كنت في الحرب ذا تدرأ
                                        فلم أعط شيئا ولم أمنع     إلا أفائل أعطيتها
                                        عديد قوائمها الأربع     وما كان حصن ولا حابس
                                        يفوقان شيخي في المجمع     وما كنت دون امرئ منهما
                                        ومن تضع اليوم لا يرفع

                                        فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله فدعاه، فقال: " أنت القائل: أصبح نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة" فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: بأبي وأمي أنت لم يقل [ ص: 182 ] كذلك، ولا والله ما أنت بشاعر وما ينبغي لك، وما أنت براوية، قال: "فكيف؟" فأنشده أبو بكر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " سواء هما ما يضرك بأيهما بدأت: بالأقرع، أم عيينة"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقطعوا عني لسانه" ، ففزع منها، وقالوا: أمر بعباس بن مرداس يمثل به، وإنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله "اقطعوا عني لسانه" أن يقطعوه بالعطية من الشاء والغنم"
                                        قال أبو علاثة: قال أبي: العبيد: فرس له.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية