الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو بكر القاضي، قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: حدثنا عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه جابر بن عبد الله قال: " فخرج مالك بن عوف بمن [ ص: 127 ] معه إلى حنين، فسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعدوا، وتهيؤوا في مضايق الوادي وأحنائه، وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فانحط بهم الوادي في عماية الصبح، فلما انحط الناس ثارت في وجوههم الخيل فشدت عليهم وانكفأ الناس منهزمين لا يقبل أحد على أحد، وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين يقول: "أيها الناس، هلموا إلي، أنا رسول الله، أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله" فلا شيء، وركبت الإبل بعضها بعضا، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس ومعه رهط من أهل بيته، ورهط من المهاجرين، والعباس آخذ بحكمة بغلته البيضاء وهو عليها قد شجرها، قال: وثبت معه من أهل بيته: علي بن أبي طالب، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، والفضل بن عباس، وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وأيمن بن أم أيمن وهو ابن عبيد، وأسامة بن زيد، وثبت معه من المهاجرين: أبو بكر، وعمر، ورجل من هوازن على جمل له أحمر بيده راية سوداء على رأس رمح له طويل أمام هوازن، وهوازن خلفه إذا أدرك الناس طعن برمحه، وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه فأتبعوه، فبينما هو كذلك إذ هوى له علي بن أبي طالب، ورجل من الأنصار يريدانه، فأتاه علي بن أبي طالب من خلفه فضرب عرقوبي الجمل، فوقع على [ ص: 128 ] عجزه، ووثب الأنصاري على الرجل فضربه ضربة أطن قدمه بنصف ساقه، فانجعف عن رحله، واجتلد الناس، فوالله ما رجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسرى مكتفين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                        فلما انهزم من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جفاة أهل مكة، تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن، فقال أبو سفيان بن حرب: "لا تنتهي هزيمتهم دون البحور، وإن الأزلام لمعه في كنانته"
                                        وزاد أبو عبد الله في روايته بإسناده عن ابن إسحاق، قال: حدثنا عبد الله بن أبي بكر بن حزم، قال: سار أبو سفيان بن حرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين، وإنه ليظهر الإسلام، وإن الأزلام التي يستقسم بها لفي كنانته" قال ابن إسحاق: وصرخ كلدة بن الحنبل وهو مع أخيه صفوان بن أمية وكان أخاه لأمه وصفوان يومئذ مشرك: ألا بطل السحر اليوم، فقال صفوان: اسكت فض الله فاك، فوالله لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن.

                                        قال حسان:


                                        رأيت سوادا من بعيد فراعني إذا حنبل ينزو على أم حنبل

                                        .

                                        قال ابن إسحاق: وقال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة أخو بني عبد الدار: اليوم أدرك ثأري، وكان أبوه قتل يوم أحد، اليوم أقتل محمدا، فأردت برسول الله صلى الله عليه وسلم لأقتله فأقبل شيء حتى تغشى فؤادي فلم أطق ذلك، فعرفت أنه ممنوع".

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية