الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 221 ] باب لحوق أبي ذر رضي الله عنه وأبي خيثمة رضي الله عنه برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خروجه، وما ظهر فيما روي من قوله عند مجيئهما وإخباره عن حال أبي ذر وقت وفاته من آثار النبوة

                                        أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: حدثنا بريدة بن سفيان، عن محمد بن كعب القرظي، عن عبد الله بن مسعود، قال: " لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك جعل لا يزال يتخلف الرجل، فيقولون: يا رسول الله تخلف فلان، فيقول: "دعوه، إن يك فيه خير فسيلحقه الله تعالى بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله تعالى منه" ، حتى قيل: يا رسول الله، تخلف أبو ذر ، وأبطأ به بعيره، فقال: "دعوه، إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن كان غير ذلك فقد أراحكم منه" ، فيلزم أبو ذر بعيره فلما أبطأ عليه، أخذ متاعه فجعله على ظهره، ثم خرج يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض منازله، ونظر ناظر من المسلمين، فقال [ ص: 222 ] : يا رسول الله، إن هذا الرجل يمشي على الطريق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كن أبا ذر" ، فلما تأمله القوم، قالوا: يا رسول الله، هو والله أبو ذر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يرحم الله أبا ذر يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده" فضرب الدهر من ضربه، وسير أبو ذر إلى الربذة، فلما حضره الموت أوصى امرأته وغلامه: إذا مت فاغسلاني وكفناني ثم احملاني فضعاني على قارعة الطريق، فأول ركب يمرون بكم فقولوا: هذا أبو ذر .

                                        فلما مات فعلوا به كذلك فاطلع ركب فما أعلموا به حتى كادت ركائبهم توطأ سريره، فإذا ابن مسعود في رهط من أهل الكوفة، فقال: ما هذا؟ فقيل: جنازة أبي ذر ، فاستهل ابن مسعود يبكي، فقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يرحم الله أبا ذر يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده" فنزل فوليه بنفسه حتى أجنه.


                                        وبإسناده عن ابن إسحاق، قال: حدثنا عبد الله بن أبي بكر بن حزم، أن أبا خيثمة، أخا بني سالم رجع بعد مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما إلى أهله في يوم حار، فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائط قد رشت كل واحدة منهما عريشها، وبردت له فيه ماء، وهيأت له فيه طعاما، فلما دخل قام على باب العريشين، فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضح ، [ ص: 223 ] والريح، والحر، وأبو خيثمة في ظل بارد وماء بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء في ماله مقيم؟ ما هذا بالنصف، ثم قال: لا والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهيئا لي زادا، ففعلتا، ثم قدم ناضحه فارتحله، ثم خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدركه بتبوك حين نزلها، وقد كان أدرك أبا خيثمة عمير بن وهب الجمحي في الطريق يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فترافقا حتى إذا دنوا من تبوك ، قال أبو خيثمة لعمير بن وهب: إن لي ذنبا فلا عليك أن تخلف عني حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففعل، فسار حتى إذا دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بتبوك قال الناس: هذا راكب على الطريق مقبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كن أبا خيثمة" ، فقالوا: يا رسول الله هو والله أبو خيثمة، فلما أناخ أقبل فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أولى لك أبا خيثمة" ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير ".

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية