الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 218 ] أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: حدثنا يونس، عن ابن إسحاق، قال: " ثم إن رجالا من المسلمين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم البكاؤون، وهم سبعة نفر من الأنصار وغيرهم، منهم من الأنصار : سالم بن عمير، وعلبة بن زيد، وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب، وعمرو بن الحمام بن الجموح، وعبد الله بن مغفل المزني، وبعضهم يقول: هو عبد الله بن عمرو المزني، وهرمي بن عبد الله، وعرباض بن سارية الفزاري، فاستحملوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا أهل حاجة، فقال: " لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون " فبلغني أن يامين بن عمرو بن كعب لقي أبا ليلى عبد الرحمن بن كعب وعبد الله بن مغفل وهما يبكيان، فقال: ما يبكيكما، فقالا: جئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحملنا، فلم نجد عنده ما يحملنا، وليس عندنا ما نتقوى به على الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاهما ناضحا له فارتحلاه وزودهما شيئا من لبن، فخرجا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                        وأما علبة بن زيد فخرج من الليل فصلى من ليلته ما شاء، ثم بكى، وقال: اللهم إنك قد أمرت بالجهاد ورغبت فيه، ثم لم تجعل عندي ما أتقوى به مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تجعل في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحملني عليه ، [ ص: 219 ] وإني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني بها في مال أو جسد أو عرض، ثم أصبح مع الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أين المتصدق هذه الليلة؟" ، فلم يقم أحد، ثم قال: "أين المتصدق؟ فليقم" ، فقام إليه فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبشر، فوالذي نفس محمد بيده لقد كتبت في الزكاة المقبلة" .

                                        وجاء المعذرون من الأعراب فاعتذروا إليه فلم يعذرهم الله، فذكر أنهم نفر من بني غفار، قال: وقد كان نفر من المسلمين أبطأت بهم النية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى تخلفوا عن غير شك ولا ارتياب، منهم: كعب بن مالك أخو بني سلمة، ومرارة بن الربيع أخو بني عمرو بن عوف، وهلال بن أمية أخو بني واقف، وأبو خيثمة أخو بني سالم بن عوف، فكانوا رهط صدق لا يتهمون في إسلامهم.

                                        قال: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخميس، واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عسكره على ثنية الوداع، ومعه زيادة على ثلاثين ألفا من الناس، وضرب عبد الله بن أبي عدو الله على ذي حدة عسكره أسفل منه، وما كان فيما يزعمون بأقل العسكرين، فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف عنه عبد الله بن أبي فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب.

                                        [ ص: 220 ] وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه على أهله، وأمره بالإقامة فيهم، فأرجف به المنافقون، وقالوا: ما خلفه إلا استثقالا له وتخففا منه، فلما قال ذلك المنافقون: أخذ علي بن أبي طالب سلاحه، ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو نازل بالجرف، فقال: يا رسول الله زعم المنافقون أنك إنما خلفتني تستثقلني وتخفف مني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذبوا، ولكني خلفتك لما تركت ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، ألا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي" ، فرجع إلى المدينة ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره ".


                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية