( حسب ) الحاء والسين والباء أصول أربعة :
فالأول : العد . تقول : حسبت الشيء أحسبه حسبا وحسبانا . قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=5الشمس والقمر بحسبان . ومن قياس الباب الحسبان الظن ، وذلك أنه فرق بينه وبين العد بتغيير الحركة والتصريف ، والمعنى واحد ، لأنه إذا قال حسبته كذا فكأنه قال : هو في الذي أعده من الأمور الكائنة .
ومن الباب الحسب الذي يعد من الإنسان . قال أهل اللغة : معناه أن يعد آباء أشرافا .
[ ص: 60 ] ومن هذا الباب قولهم : احتسب فلان ابنه ، إذا مات كبيرا . وذلك أن يعده في الأشياء المذخورة له عند الله تعالى . والحسبة : احتسابك الأجر . وفلان حسن الحسبة بالأمر ، إذا كان حسن التدبير ; وليس من احتساب الأجر . وهذا أيضا من الباب ; لأنه إذا كان حسن التدبير للأمر كان عالما بعداد كل شيء وموضعه من الرأي والصواب . والقياس كله واحد .
والأصل الثاني : الكفاية . تقول شيء حساب ، أي كاف . ويقال : أحسبت فلانا ، إذا أعطيته ما يرضيه ; وكذلك حسبته . قالت امرأة :
ونقفي وليد الحي إن كان جائعا ونحسبه إن كان ليس بجائع
والأصل الثالث : الحسبان ، وهي جمع حسبانة ، وهي الوسادة الصغيرة . وقد حسبت الرجل أحسبه ، إذا أجلسته عليها ووسدته إياها . ومنه قول القائل :
غداة ثوى في الرمل غير محسب وقال آخر :
يا عام لو قدرت عليك رماحنا والراقصات إلى منى فالغبغب للمست بالوكعاء طعنة ثائر حران أو لثويت غير محسب
[ ص: 61 ] ومن هذا الأصل الحسبان : سهام صغار يرمى بها عن القسي الفارسية ، الواحدة حسبانة . وإنما فرق بينهما لصغر هذه و [ كبر ] تلك .
ومنه قولهم أصاب الأرض حسبان ، أي جراد . وفسر قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=40ويرسل عليها حسبانا من السماء ، بالبرد .
والأصل الرابع : الأحسب الذي ابيضت جلدته من داء ففسدت شعرته ، كأنه أبرص . قال : يا هند لا تنكحي بوهة عليه عقيقته أحسبا وقد يتفق في أصول الأبواب هذا التفاوت الذي تراه في هذه الأصول الأربعة .
( حَسِبَ ) الْحَاءُ وَالسِّينُ وَالْبَاءُ أُصُولٌ أَرْبَعَةٌ :
فَالْأَوَّلُ : الْعَدُّ . تَقُولُ : حَسَبْتُ الشَّيْءَ أَحْسُبُهُ حَسْبًا وَحُسْبَانًا . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=5الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ . وَمِنْ قِيَاسِ الْبَابِ الْحِسْبَانُ الظَّنُّ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَدِّ بِتَغْيِيرِ الْحَرَكَةِ وَالتَّصْرِيفِ ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ ، لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ حَسِبْتُهُ كَذَا فَكَأَنَّهُ قَالَ : هُوَ فِي الَّذِي أَعُدُّهُ مِنَ الْأُمُورِ الْكَائِنَةِ .
وَمِنَ الْبَابِ الْحَسَبُ الَّذِي يُعَدُّ مِنَ الْإِنْسَانِ . قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : مَعْنَاهُ أَنْ يَعُدَّ آبَاءً أَشْرَافًا .
[ ص: 60 ] وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُمُ : احْتَسَبَ فُلَانٌ ابْنَهُ ، إِذَا مَاتَ كَبِيرًا . وَذَلِكَ أَنْ يَعُدَّهُ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَذْخُورَةِ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى . وَالْحِسْبَةُ : احْتِسَابُكَ الْأَجْرَ . وَفُلَانٌ حَسَنُ الْحِسْبَةِ بِالْأَمْرِ ، إِذَا كَانَ حَسَنَ التَّدْبِيرِ ; وَلَيْسَ مِنَ احْتِسَابِ الْأَجْرِ . وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الْبَابِ ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ حَسَنَ التَّدْبِيرِ لِلْأَمْرِ كَانَ عَالِمًا بِعِدَادِ كُلِّ شَيْءٍ وَمَوْضِعِهِ مِنَ الرَّأْيِ وَالصَّوَابِ . وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ وَاحِدٌ .
وَالْأَصْلُ الثَّانِي : الْكِفَايَةُ . تَقُولُ شَيْءٌ حِسَابٌ ، أَيْ كَافٍ . وَيُقَالُ : أَحْسَبْتُ فُلَانًا ، إِذَا أَعْطَيْتَهُ مَا يُرْضِيهِ ; وَكَذَلِكَ حَسَّبْتُهُ . قَالَتِ امْرَأَةٌ :
وَنُقْفِي وَلِيدَ الْحَيِّ إِنْ كَانَ جَائِعًا وَنُحْسِبُهُ إِنْ كَانَ لَيْسَ بِجَائِعِ
وَالْأَصْلُ الثَّالِثُ : الْحُسْبَانُ ، وَهِيَ جَمْعُ حُسْبَانَةٍ ، وَهِيَ الْوِسَادَةُ الصَّغِيرَةُ . وَقَدْ حَسَّبْتُ الرَّجُلَ أُحَسِّبُهُ ، إِذَا أَجْلَسْتَهُ عَلَيْهَا وَوَسَّدْتَهُ إِيَّاهَا . وَمِنْهُ قَوْلُ الْقَائِلِ :
غَدَاةَ ثَوَى فِي الرَّمْلِ غَيْرَ مُحَسَّبِ وَقَالَ آخَرُ :
يَا عَامِ لَوْ قَدَرَتْ عَلَيْكَ رِمَاحُنَا وَالرَّاقِصَاتُ إِلَى مِنًى فَالْغَبْغَبِ لَلَمَسْتَ بِالْوَكْعَاءِ طَعْنَةَ ثَائِرٍ حَرَّانَ أَوْ لَثَوَيْتَ غَيْرَ مُحَسَّبِ
[ ص: 61 ] وَمِنْ هَذَا الْأَصْلِ الْحُسْبَانُ : سِهَامٌ صِغَارٌ يُرْمَى بِهَا عَنِ الْقِسِيِّ الْفَارِسِيَّةِ ، الْوَاحِدَةُ حُسْبَانَةٌ . وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا لِصِغَرِ هَذِهِ وَ [ كِبَرِ ] تِلْكَ .
وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ أَصَابَ الْأَرْضَ حُسْبَانٌ ، أَيْ جَرَادٌ . وَفُسِّرَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=40وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ ، بِالْبَرَدِ .
وَالْأَصْلُ الرَّابِعُ : الْأَحْسَبُ الَّذِي ابْيَضَّتْ جِلْدَتُهُ مِنْ دَاءٍ فَفَسَدَتْ شَعَرَتُهُ ، كَأَنَّهُ أَبْرَصُ . قَالَ : يَا هِنْدُ لَا تَنْكِحِي بُوهَةً عَلَيْهِ عَقِيقَتُهُ أَحْسَبَا وَقَدْ يَتَّفِقُ فِي أُصُولِ الْأَبْوَابِ هَذَا التَّفَاوُتُ الَّذِي تَرَاهُ فِي هَذِهِ الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ .