الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( درى ) الدال والراء والحرف المعتل والمهموز . أما الذي ليس بمهموز فأصلان : أحدهما قصد الشيء واعتماده طلبا ، والآخر حدة تكون في الشيء . وأما المهموز فأصل واحد ، وهو دفع الشيء .

                                                          فالأول قولهم : ادرى بنو فلان مكان كذا ، أي اعتمدوه بغزو أو غارة قال :


                                                          أتتنا عامر من أرض رام معلقة الكنائن تدرينا

                                                          والدرية : الدابة التي يستتر بها الذي يرمي الصيد ليصيده . يقال منه : دريت وادريت . قال الأخطل :

                                                          [ ص: 272 ]

                                                          وإن كنت قد أقصدتني إذ رميتني     بسهمك والرامي يصيد ولا يدري

                                                          قال ابن الأعرابي : تدريت الصيد ، إذا نظرت أين هو ولم تره بعد . ودريته : ختلته .

                                                          فأما قوله : تدريت أي تعلمت لدريته أين هو ، والقياس واحد . يقال : دريت الشيء ، والله تعالى أدرانيه . قال الله تعالى : قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به ، وفلان حسن الدرية ، كقولك : حسن الفطنة .

                                                          والأصل الآخر قولهم للذي يسرح به الشعر ويدرى : مدرى; لأنه محدد . ويقال شاة مدراة : حديدة القرنين . ويقال تدرت المرأة ، إذا سرحت شعرها . ويقال : إن المدريين طبيا الشاة . وقد يستعمل في أخلاف الناقة . قال حميد :


                                                          تجود بمدريين

                                                          وإنما صارا مدريين لأنهما إذا امتلآ تحدد طرفاهما .

                                                          وأما المهموز قولهم درأت الشيء : دفعته . قال الله تعالى : ويدرأ عنها العذاب . قال :

                                                          [ ص: 273 ]

                                                          تقول إذا درأت لها وضيني     أهذا دينه أبدا وديني

                                                          ومن الباب الدريئة : الحلقة التي يتعلم عليها الطعن . قال عمرو :


                                                          ظللت كأني للرماح دريئة     أقاتل عن أبناء جرم وفرت

                                                          ، يقال : جاء السيل درءا ، إذا جاء من بلد بعيد . وفلان ذو تدرإ ، أي قوي على دفع أعدائه عن نفسه . قال :


                                                          وقد كنت في الحرب ذا تدرإ     فلم أعط شيئا ولم أمنع

                                                          ، ودرأ فلان ، إذا طلع مفاجأة ، وهو من الباب ، كأنه اندرأ بنفسه ، أي اندفع . ومنه دارأت فلانا ، إذا دافعته . وإذا لينت الهمزة كان بمعنى الختل ، والخداع ، ويرجع إلى الأصل الأول الذي ذكرناه في دريت وادريت . قال :


                                                          فماذا يدري الشعراء مني     وقد جاوزت حد الأربعين

                                                          فأما الدرء ، الذي هو الاعوجاج; فمن قياس الدفع; لأنه إذا اعوج اندفع [ ص: 274 ] من حد الاستواء إلى الاعوجاج . وطريق ذو درء ، أي كسور وجرفة ، وهو من ذلك . ويقال : أقمت من درئه ، إذا قومته . قال :


                                                          وكنا إذا الجبار صعر خده     أقمنا له من درئه فتقوما

                                                          ويقولون : درأ البعير ، إذا ورم ظهره . فإن كان صحيحا فهو من الباب; لأنه يندفع إذا ورم . ومن الباب : أدرأت الناقة فهي مدرئ ، وذلك إذا أرخت ضرعها عند النتاج .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية