الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( رب ) الراء والباء يدل على أصول . فالأول إصلاح الشيء والقيام عليه . فالرب : المالك ، والخالق ، والصاحب . والرب : المصلح للشيء . يقال رب فلان ضيعته ، إذا قام على إصلاحها . وهذا سقاء مربوب بالرب . والرب [ ص: 382 ] للعنب وغيره; لأنه يرب به الشيء . وفرس مربوب . قال سلامة :


                                                          ليس بأسفى ولا أقنى ولا سغل يسقى دواء قفي السكن مربوب

                                                          والرب : المصلح للشيء . والله جل ثناؤه الرب; لأنه مصلح أحوال خلقه . والربي : العارف بالرب . ورببت الصبي أربه ، ورببته أرببه . والربيبة الحاضنة . وربيب الرجل : ابن امرأته . والراب : الذي يقوم على أمر الربيب . وفي الحديث : " يكره أن يتزوج الرجل امرأة رابه " .

                                                          والأصل الآخر لزوم الشيء والإقامة عليه ، وهو مناسب للأصل الأول . يقال أربت السحابة بهذه البلدة ، إذا دامت . وأرض مرب : لا يزال بها مطر; ولذلك سمي السحاب ربابا . ويقال الرباب السحاب المتعلق دون السحاب . يكون أبيض ويكون أسود ، الواحدة ربابة .

                                                          ومن الباب الشاة الربى : التي تحتبس في البيت للبن ، فقد أربت ، إذا لازمت البيت . ويقال هي التي وضعت حديثا . فإن كان كذا فهي التي تربي ولدها . وهو من الباب الأول . ويقال الإرباب : الدنو من الشيء . ويقال أربت الناقة ، إذا لزمت الفحل وأحبته ، وهي مرب .

                                                          والأصل الثالث : ضم الشيء للشيء ، وهو أيضا مناسب لما قبله ، ومتى أنعم النظر كان الباب كله قياسا واحدا . يقال للخرقة التي يجعل فيها القداح ربابة . قال الهذلي :

                                                          [ ص: 383 ]

                                                          وكأنهن ربابة وكأنه     يسر يفيض على القداح ويصدع

                                                          ومن هذا الباب الربابة ، وهو العهد . يقال : للمعاهدين أربة . قال :


                                                          كانت أربتهم بهز وغرهم     عقد الجوار وكانوا معشرا غدرا

                                                          وسمي العهد ربابة لأنه يجمع ويؤلف . فأما قول علقمة :


                                                          وكنت أمرأ أفضت إليك ربابتي     وقبلك ربتني فضعت ربوب

                                                          فإن الربابة ، العهد الذي ذكرناه . وأما الربوب فجمع رب ، وهو الباب الأول . وحدثنا أبو الحسن علي بن إبراهيم ، عن علي بن عبد العزيز ، عن أبي عبيد قال : الرباب : العشور . قال أبو ذؤيب :


                                                          توصل بالركبان حينا وتؤلف ال     جوار وتغشيها الأمان ربابها

                                                          وممكن أن يكون هذا إنما سمي ربابا لأنه إذا أخذ فهو يصير كالعهد .

                                                          ‌ومما يشذ عن هذه الأصول : الربرب : القطيع من بقر الوحش . وقد يجوز أن يضم إلى الباب الثالث فيقال إنما سمي ربربا لتجمعه ، كما قلنا في اشتقاق الربابة .

                                                          ومن الباب الثالث الربب ، وهو الماء الكثير ، سمي بذلك لاجتماعه . قال :


                                                          والبرة السمراء والماء الربب

                                                          [ ص: 384 ] فأما رب فكلمة تستعمل في الكلام لتقليل الشيء ، تقول : رب رجل جاءني . ولا يعرف لها اشتقاق .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية