الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          معلومات الكتاب

                                                                          تهذيب الكمال في أسماء الرجال

                                                                          المزي - جمال الدين أبو الحجاج المزي

                                                                          صفحة جزء
                                                                          - 4763 (خ م د ت س) : فضيل بن عياض بن مسعود بن [ ص: 282 ] بشر التميمي اليربوعي أبو علي الزاهد أحد صلحاء الدنيا وعبادها .

                                                                          ولد بسمرقند ، ونشأ بأبيورد ، وكتب الحديث بالكوفة ، وتحول إلى مكة فسكنها ، ومات بها .

                                                                          روى عن : أبان بن أبي عياش ، وإسماعيل بن أبي خالد ، وأشعث بن سوار ، وأبي بشر بيان بن بشر الأحمسي ، وثور بن يزيد الحمصي ، وجعفر بن محمد الصادق ، والحسن بن عبيد الله ، وحصين بن عبد الرحمن السلمي (د س) ، وحميد الطويل ، وزياد بن سعد ، وسفيان الثوري (س) ، وسليمان الأعمش (بخ م س) ، وسليمان التيمي ، وصفوان بن سليم ، وعبد العزيز بن رفيع ، وعبيد الله بن عمر (س) ، وعبيد بن مهران المكتب ، وعطاء بن السائب ، وعوف الأعرابي ، والعلاء بن المسيب ، وفطر بن خليفة ، وليث بن أبي سليم (ت) ، ومجالد بن سعيد ، ومحمد بن إسحاق بن يسار ، ومحمد بن ثور الصنعاني ، وهو أصغر منه ، ومحمد بن الزبير الحنظلي ، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، ومحمد بن عجلان ، ومسلم الملائي الأعور ، ومطرح بن يزيد ، ومنصور بن المعتمر (خ م ت س) ، وميمون أبي حمزة الأعور ، وهشام بن حسان (ر م ت س) ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، ويحيى بن عبيد الله بن موهب التيمي ، ويزيد بن أبي زياد ، وأبي إسحاق الشيباني ، وأبي هارون العبدي .

                                                                          [ ص: 283 ] روى عنه : إبراهيم بن أحمد الخزاعي ، وخادمه إبراهيم بن الأشعث البخاري ، وإبراهيم بن بشار الصوفي خادم إبراهيم بن أدهم ، وإبراهيم بن شماس السمرقندي ، وإبراهيم بن محمد الشافعي ، وإبراهيم بن نصر ، وأبو عبد الله أحمد بن عاصم الأنطاكي ، وأحمد بن عبد الله بن يونس (م) ، وأحمد بن عبدة الضبي (م تم) ، وأبو حفص أحمد بن الفضيل البخاري ، وأبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي ، وإسحاق بن إبراهيم الطبري ، وإسحاق بن أبي إسرائيل ، وإسحاق بن منصور السلولي ، وأسد بن موسى ، وبشر بن الحارث الحافي ، وثابت بن محمد العابد ، وجعفر بن مهران السباك ، وحاتم بن يوسف الجلاب المروزي ، والحسن بن إسماعيل المجالدي (س) ، والحسن بن الربيع البوراني (مق) ، وأبو عمار الحسين بن حريث المروزي (س) ، وحسين بن حفص الأصبهاني ، والحسين بن داود البلخي ، وهو آخر من روى عنه ، وحسين بن علي الجعفي (ت سي) ، وخالد بن خداش المهلبي ، وخالد بن يوسف السمتي ، وداود بن عمرو الضبي ، والسري بن مغلس السقطي ، وسعد بن زنبور الفراء ، وسعيد بن عبد الجبار الكرابيسي ، وسعيد بن منصور ، وسفيان الثوري ، وهو من شيوخه ، وسفيان بن عيينة ، وهو من أقرانه ، وسلم بن عبد الله الخراساني ، وسهل بن راهويه ، وسويد بن سعيد الحدثاني ، وشعيب بن حرب المدائني ، وأبو الربيع صقر بن داود البخاري ، والطيب بن إسماعيل ، وعاصم بن يوسف اليربوعي ، وعباس بن الوليد النرسي [ ص: 284 ] وعبد الله بن الزبير الحميدي ، وعبد الله بن عمران العابدي المخزومي ، وعبد الله بن المبارك ، ومات قبله ، وعبد الله بن .مسلمة القعنبي (خ) ، وعبد الله بن وهب المصري ، وعبد الجليل المصيصي ، وعبد الحميد بن صالح البرجمي ، وأبو بكر عبد الرحمن بن عفان الصوفي ، وعبد الرحمن بن مهدي بن حسان البصري الحافظ ، وعبد الرحمن بن مهدي بن هلال الواسطي ، وعبد الرزاق بن همام (س) ، وعبد الصمد بن يزيد الصائغ مردويه ، وعبد الملك بن قريب الأصمعي ، وعبدة بن .عبد الرحيم المروزي ، وعبيد الله بن عمر القواريري (س) ، وعلي بن بحر بن بري القطان ، وعلي بن ثابت الدهان ، وعلي بن عثام العامري ، وعمر بن يزيد السياري ، وعيسى بن عبد الله شيخ للحارث بن أبي أسامة ، والفضل بن الربيع ، والفضل بن عبد الله بن مسعود ، والفضل بن موسى السيناني ، وفضيل بن عبد الوهاب القناد السكري ، وخادمه أبو يزيد فيض بن إسحاق الرقي ، وقتيبة بن سعيد (ر م س) ، ومحرز بن عون الهلالي ، ومحمد بن إدريس الشافعي ، ومحمد بن إسحاق شيخ لأحمد بن أبي الحواري ، ومحمد بن بكر بن خالد القصير ، ومحمد بن حسان السمتي ، ومحمد بن الربيع ، ومحمد بن زنبور المكي (س) ، ومحمد بن زياد الزيادي ، ومحمد بن أبي السري العسقلاني ، ومحمد بن سلمة الباهلي ، ومحمد سليمان لوين ، ومحمد بن الطفيل ، ومحمد بن عبد الله الأنباري الحذاء الزاهد ، ومحمد بن عبد الله العنبري ، ومحمد بن عبدويه ، ومحمد بن عيسى [ ص: 285 ] ابن الطباع ، ومحمد بن قدامة المصيصي ، ومحمد بن النعمان بن شبل الباهلي ، ومحمد بن أبي نملة ، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر العدني (م سي) ، ومروان بن محمد الطاطري ، ومسدد بن مسرهد (بخ د) ، ومعاذ بن أسد المروزي ، ومؤمل بن إسماعيل ، وهارون بن سوار المقرئ ، وهارون الرشيد أمير المؤمنين ، وأبو طالب هاشم بن الوليد الهروي ، وهريم بن مسعر الترمذي (ت) ، والهيثم بن أيوب الطالقاني ، والهيثم بن جميل الأنطاكي ، ويحيى بن أيوب المقابري ، ويحيى بن سعيد القطان (ت س) ، ويحيى بن صالح الوحاظي ، ويحيى بن طلحة اليربوعي ، .ويحيى بن عبد الحميد الحماني ، ويحيى بن معاذ الرازي ، ويحيى بن يحيى النيسابوري (م) ، ويعقوب بن إسحاق بن أبي عباد العبدي البصري المعروف بالقلزمي ، ويوسف بن مروان النسائي ثم الرقي (س) ، وأبو شهاب الحناط ، ومات قبله ، وأبو عبد الله الناجي .

                                                                          ذكره خليفة بن خياط في الطبقة الخامسة من أهل مكة .

                                                                          وذكره محمد بن سعد في الطبقة السادسة منهم .

                                                                          وقال أبو عمار الحسين بن حريث عن الفضل بن موسى : كان الفضيل بن عياض شاطرا يقطع الطريق بين أبيورد ، وسرخس [ ص: 286 ] وكان سبب توبته أنه عشق جارية فبينا هو يرتقي الجدران إليها إذ سمع تاليا يتلو ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله فلما سمعها قال : بلى يا رب قد آن فرجع فآواه الليل إلى خربة فإذا فيها سابلة فقال بعضهم : نرتحل ، وقال بعضهم حتى نصبح فإن فضيلا على الطريق يقطع علينا قال : ففكرت ، وقلت : أنا أسعى بالليل في المعاصي ، وقوم من المسلمين ها هنا يخافونني ، وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع اللهم إني قد تبت إليك ، وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام .

                                                                          وقال إبراهيم بن محمد الشافعي : سمعت سفيان بن عيينة : يقول فضيل ثقة .

                                                                          وقال أبو عبيد القاسم بن سلام قال : عبد الرحمن بن مهدي : فضيل بن عياض رجل صالح ، ولم يكن بحافظ .

                                                                          وقال العجلي : كوفي ثقة متعبد رجل صالح سكن مكة .

                                                                          وقال الحسين بن إدريس الأنصاري عن محمد بن عبد الله بن عمار

                                                                          : ليت فضيلا كان يحدثك بما يعرف قلت : ترى حديثه [ ص: 287 ] حجة ؟ قال : سبحان الله .

                                                                          وقال أبو حاتم : صدوق .

                                                                          وقال النسائي : ثقة مأمون رجل صالح .

                                                                          وقال الدارقطني : ثقة .

                                                                          وقال محمد بن سعد : ولد بخراسان بكورة أبيورد ، وقدم الكوفة ، وهو كبير فسمع الحديث من منصور بن المعتمر ، وغيره ثم تعبد ، وانتقل إلى مكة فنزلها إلى أن مات بها في أول سنة سبع وثمانين ومائة في خلافة هارون ، وكان ثقة نبيلا فاضلا عابدا ، ورعا كثير الحديث .

                                                                          وقال أبو وهب محمد بن مزاحم المروزي : سمعت عبد الله بن المبارك يقول : رأيت أعبد الناس ، ورأيت أورع الناس ، ورأيت أعلم الناس ، ورأيت أفقه الناس فأما أعبد الناس فعبد العزيز بن أبي رواد ، وأما أورع الناس فالفضيل بن عياض ، وأما أعلم الناس فسفيان الثوري ، وأما أفقه الناس فأبو حنيفة ثم قال : ما رأيت في الفقه مثله .

                                                                          وقال إبراهيم بن شماس عن ابن المبارك : ما بقي على ظهر الأرض عندي أفضل من الفضيل بن عياض .

                                                                          وقال أبو السري نصر بن المغيرة البخاري : سمعت إبراهيم [ ص: 288 ] ابن شماس يقول : رأيت أفقه الناس ، وأورع الناس ، وأحفظ الناس فأما أحفظ الناس فابن المبارك ، وأما أورع الناس فالفضيل بن عياض ، وأما أفقه الناس فوكيع بن الجراح .

                                                                          وقال أبو بكر بن أبي خيثمة عن عبيد الله بن عمر القواريري : أفضل من رأيت من المشايخ : بشر بن منصور السليمي ، وفضيل بن عياض ، وعون بن معمر ، وحمزة بن نجيح .

                                                                          وقال النضر بن شميل : سمعت هارون الرشيد يقول : ما رأيت في العلماء أهيب من مالك بن أنس ، ولا أورع من الفضيل بن عياض .

                                                                          وقال أحمد بن أبي الحواري عن الهيثم بن جميل : سمعت شريك بن عبد الله يقول لم يزل لكل قوم حجة في أهل زمانهم ، وإن فضيل بن عياض حجة لأهل زمانه . قال أحمد بن أبي الحواري : فقام فتى من مجلس الهيثم فلما توارى قال الهيثم : إن عاش هذا الفتى يكون حجة لأهل زمانه . قيل لأحمد من كان الفتى ؟ قال : أحمد بن حنبل ، ومنهم من لم يجاوز بها الهيثم بن جميل .

                                                                          وقال عبد الصمد بن يزيد الصائغ مردويه : قال لي : عبد الله بن المبارك إن الفضيل بن عياض صدق الله فأجرى الحكمة على لسانه فالفضيل ممن نفعه علمه .

                                                                          وقال أبو بكر عبد الرحمن بن عفان الصوفي : سمعت عبد الله [ ص: 289 ] ابن المبارك يقول لأبي مريم القاضي : ما بقي في الحجاز أحد من الأبدال إلا فضيل بن عياض ، وعلي ابنه ، وعلي مقدم على أبيه في الخوف ، وما بقي أحد في بلاد الشام إلا يوسف بن أسباط ، وأبو معاوية الأسود ، وما بقي أحد بخراسان إلا شيخ حائك يقال له : معدان .

                                                                          وقال أبو بكر المقاريضي المذكر : سمعت بشر بن الحارث يقول : عشرة ممن كانوا يأكلون الحلال لا يدخلون بطونهم إلا حلالا ، ولو استفوا التراب ، والرماد : قلت من هم يا أبا نصر ؟ قال : سفيان الثوري ، وإبراهيم بن أدهم ، وسليمان الخواص ، ويوسف بن أسباط ، وأبو معاوية نجيح الخادم ، وحذيفة بن قتادة المرعشي ، وداود الطائي ، ووهيب بن الورد ، وفضيل بن عياض ، وعلي بن فضيل .

                                                                          وقال إسماعيل بن يزيد عن إبراهيم بن الأشعث : ما رأيت أحدا كان الله في صدره أعظم من الفضيل بن عياض كان إذا ذكر الله أو ذكر عنده أو سمع القرآن ظهر به الخوف ، والحزن ، وفاضت عيناه ، وبكى حتى يرحمه من بحضرته ، وكان دائم الحزن شديد الفكرة ما رأيت رجلا يريد الله بعلمه ، وعمله ، وأخذه ، وعطائه ، ومنعه ، وبذله ، وبغضه ، وحبه ، وخصاله كلها غيره .

                                                                          وقال أيضا عنه : كنا إذا خرجنا مع الفضيل في جنازة [ ص: 290 ] لا يزال يعظ ، ويذكر ، ويبكي كأنه مودع أصحابه ذاهب إلى الآخرة حتى يبلغ المقابر فيجلس فكأنه بين الموتى جلس من الحزن ، والبكاء حتى يقوم ، وكأنه رجع من الآخرة يخبر عنها .

                                                                          وقال عبد الصمد بن يزيد مردويه : سمعت الفضيل بن عياض يقول : لم يتزين الناس بشيء أفضل من الصدق . وطلب الحلال فقال له علي : يا أبة إن الحلال عزيز قال الفضيل : يا بني ، وإن قليله عند الله كثير .

                                                                          وقال سري بن المغلس السقطي سمعت الفضيل بن عياض يقول : من خاف الله لم يضره أحد ، ومن خاف غير الله لم ينفعه أحد .

                                                                          وقال الفيض بن إسحاق الرقي : سمعت الفضيل بن عياض ، وسأله عبد الله بن مالك فقال : يا أبا علي ما الخلاص مما نحن فيه ؟ فقال الفضيل : أخبرني من أطاع الله هل تضره معصية أحد ؟ قال : لا . قال : فمن يعصي الله هل تنفعه طاعة أحد ؟ قال : لا . قال : هو الخلاص إن أردت الخلاص .

                                                                          وقال إبراهيم بن الأشعث : سمعت الفضيل بن عياض يقول : إن رهبة العبد من الله على قدر علمه بالله ، وإن زهادته في الدنيا على قدر رغبته في الآخرة .

                                                                          [ ص: 291 ] قال وسمعت الفضيل بن عياض يقول : من عمل بما علم استغنى عما لا يعلم ، ومن عمل بما علم ، وفقه الله لما لا يعلم .

                                                                          قال : وسمعت الفضيل يقول : من ساء خلقه شان دينه وحسبه ومرؤته . قال وسمعت الفضيل يقول : أكذب الناس العائد في ذنبه ، وأجهل الناس المذل بحسناته ، وأعلم الناس بالله أخوفهم منه .

                                                                          قال : وسمعت الفضيل يقول : لن يكمل عبد حتى يؤثر دينه على شهوته ، ولن يهلك عبد حتى يؤثر شهوته على دينه .

                                                                          وقال محمد بن عبدويه سمعت الفضيل بن عياض يقول : ترك العمل من أجل الناس رياء ، والعمل من أجل الناس شرك ، والإخلاص أن يعافيك الله عنهما .

                                                                          وقال سلم بن عبد الله الخراساني سمعت الفضيل بن عياض يقول : إنما أمس مثل ، واليوم عمل ، وغدا أمل .

                                                                          وقال الفيض بن إسحاق الرقي قال الفضيل بن عياض : والله ما يحل لك أن تؤذي كلبا ، ولا خنزيرا بغير حق فكيف تؤذي مسلما ؟! .

                                                                          وقال أبو بكر بن عفان سمعت فضيل بن عياض يقول : لا يكون العبد من المتقين حتى يأمنه عدوه .

                                                                          وقال محمد بن أبي القاسم مولى بني هاشم : قال الفضيل [ ص: 292 ] ابن عياض : بقدر ما يصغر الذنب عندك كذلك يعظم عند الله ، وبقدر ما يعظم عندك كذلك يصغر عند الله .

                                                                          وقال محرز بن عون : أتيت فضيل بن عياض بمكة فسلمت عليه فقال لي : يا محرز ، وأنت أيضا مع أصحاب الحديث ما فعل القرآن ؟ والله لو نزل حرف باليمن لقد كان ينبغي أن نذهب حتى نسمع كلام ربنا ، والله لأن تكون راعي الحمر ، وأنت مقيم على ما يحب الله خير لك من أن تطوف بالبيت ، وأنت مقيم على ما يكره الله .

                                                                          وقال أبو سعيد المفضل بن محمد الجندي : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الطبري قال : ما رأيت أحدا كان أخوف على نفسه ، ولا أرجى للناس من الفضيل كانت قراءته حزينة شهية بطيئة مترسلة كأنه يخاطب إنسانا ، وكان إذا مر بآية فيها ذكر الجنة يردد فيها وسأل ، وكانت صلاته بالليل أكثر ذلك قاعدا يلقى له حصير في مسجده فيصلي من أول الليل ساعة ثم تغلبه عينه فيلقي نفسه على الحصير فينام قليلا ثم يقوم فإذا غلبه النوم نام ثم يقوم هكذا حتى يصبح ، وكان دأبه إذا نعس أن ينام ، ويقال : أشد العبادة ما كان هكذا ، وكان صحيح الحديث صدوق اللسان شديد الهيبة للحديث إذا حدث ، وكان يثقل عليه الحديث جدا ربما قال لي : لو أنك طلبت مني الدراهم كان أحب إلي من أن [ ص: 293 ] تطلب مني الأحاديث ، وسمعته يقول : لو أنك طلبت مني الدنانير كان أيسر علي من أن تطلب مني الحديث فقلت له : لو حدثتني بأحاديث فوائد ليست عندي كان أحب إلي من أن تهب لي عددها دنانير قال : إنك مفتون أما والله لو عملت بما سمعت لكان لك في ذلك شغل عما لم تسمع . ثم قال : سمعت سليمان بن مهران يقول : إذا كان بين يديك طعام تأكله فتأخذ اللقمة فترمي بها خلف ظهرك كلما أخذت اللقمة رميت بها خلف ظهرك متى تشبع ؟ .

                                                                          أخبرنا بذلك أحمد بن أبي الخير قال : أنبأنا القاضي أبو المكارم اللبان قال : أخبرنا أبو علي الحداد قال : أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال : حدثنا محمد بن إبراهيم بن علي قال : حدثنا أبو سعيد الجندي فذكره .

                                                                          وبه قال : أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال : حدثنا سليمان بن أحمد قال : حدثنا محمد بن زكريا الغلابي قال : حدثنا أبو عمر الجرمي النحوي قال : حدثنا الفضل بن الربيع قال : حج أمير المؤمنين - يعني هارون الرشيد - فأتاني فخرجت مسرعا فقلت : يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك . فقال : ويحك قد [ ص: 294 ] حك في نفسي شيء فانظر لي رجلا أسأله فقلت : ها هنا سفيان بن عيينة فقال : امض بنا إليه . فأتيناه فقرعت الباب فقال : من ذا ؟ قلت : أجب أمير المؤمنين . فخرج مسرعا فقال : يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك فقال له : خذ لما جئناك له رحمك الله فحدثه ساعة ثم قال له : عليك دين ؟ فقال : نعم . قال : أبا عباس اقض دينه . فلما خرجنا قال : ما أغنى عني صاحبك شيئا انظر لي رجلا أسأله قلت : ها هنا عبد الرزاق بن همام . قال : امض بنا إليه فأتيناه . فقرعت الباب فقال : من هذا ؟ قلت أجب أمير المؤمنين فخرج مسرعا فقال يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك فقال : خذ لما جئناك له فحادثه ساعة ثم قال له : عليك دين ؟ قال : نعم . قال : أبا عباس اقض دينه فلما خرجنا قال : ما أغنى عني صاحبك شيئا انظر لي رجلا أسأله قلت : ها هنا الفضيل بن عياض . قال : امض بنا إليه فأتيناه . فإذا هو قائم يصلي يتلو آية من القرآن يرددها فقال : اقرع الباب فقرعت الباب فقال : من هذا ؟ قلت : أجب أمير المؤمنين فقال ما لي ولأمير المؤمنين فقلت سبحان الله أما عليك طاعة أليس قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم " ليس للمؤمن أن يذل نفسه " فنزل ففتح الباب ثم ارتقى إلى الغرفة فأطفأ السراج ثم التجأ إلى زاوية من زوايا البيت فدخلنا فجعلنا نجول عليه بأيدينا فسبقت كف [ ص: 295 ] هارون قبلي إليه فقال : يا لها من كف ما ألينها إن نجت غدا من عذاب الله عز وجل فقلت في نفسي ليكلمنه الليلة بكلام نقي من قلب تقي فقال له خذ فيما جئناك له رحمك الله فقال : إن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة دعا سالم بن عبد الله ، ومحمد بن كعب القرظي ، ورجاء بن حيوة فقال لهم : إني قد ابتليت بهذا البلاء فأشيروا علي فعد الخلافة بلاء ، وعددتها أنت وأصحابك نعمة فقال له سالم بن عبد الله : إن أردت النجاة من عذاب الله فصم الدنيا ، وليكن إفطارك منها الموت ، وقال له محمد بن كعب : إن أردت النجاة من عذاب الله فليكن كبير المسلمين عندك أبا ، وأوسطهم عندك أخا ، وأصغرهم عندك ولدا فوقر أباك ، وأكرم أخاك ، وتحنن على ولدك ، وقال له رجاء بن حيوة : إن أردت النجاة من عذاب الله فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك ، واكره لهم ما تكره لنفسك ثم مت إذا شئت ، وإني أقول لك هذا ، وإني أخاف عليك أشد الخوف يوم تزل فيه الأقدام فهل معك رحمك الله مثل هذا أو من يشير عليك بمثل هذا ؟ فبكى هارون بكاء شديدا حتى غشي عليه . فقلت له : ارفق بأمير المؤمنين فقال : يا ابن أم الربيع تقتله أنت ، وأصحابك ، وأرفق به أنا ؟ ثم أفاق فقال له : ردني رحمك الله فقال يا أمير المؤمنين بلغني أن عاملا لعمر بن عبد العزيز شكي إليه فكتب إليه عمر يا أخي أذكرك طول [ ص: 296 ] سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد ، وإياك أن ينصرف بك من عند الله فيكون آخر العهد ، وانقطاع الرجاء قال : فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم على عمر بن عبد العزيز فقال له : ما أقدمك ؟ قال : خلعت قلبي بكتابك لا أعود إلى ولاية حتى ألقى الله عز وجل قال : فبكى هارون بكاء شديدا ثم قال : له زدني رحمك الله فقال : يا أمير المؤمنين إن العباس عم المصطفى صلى الله عليه وسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أمرني على إمارة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الإمارة حسرة ، وندامة يوم القيامة فإن استطعت أن لا تكون أميرا فافعل " فبكى هارون بكاء شديدا فقال : زدني رحمك الله فقال : يا حسن الوجه أنت الذي يسألك الله عن هذا الخلق يوم القيامة فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار فافعل ، وإياك أن تصبح ، وتمسي ، وفي قلبك غش لأحد من رعيتك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أصبح لهم غاشا لم يرح رائحة الجنة " فبكى هارون ، وقال له : عليك دين قال : نعم دين لربي لم يحاسبني عليه فالويل لي إن سائلني ، والويل لي إن ناقشني [ ص: 297 ] والويل لي إن لم ألهم حجتي قال : إنما أعني من دين العباد قال : إن ربي لم يأمرني بهذا أمرني أصدق وعده ، وأطيع أمره فقال جل وعز : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين فقال له : هذه ألف دينار خذها فأنفقها على عيالك ، وتقو بها على عبادة ربك فقال : سبحان الله أنا أدلك على طريق النجاة ، وأنت تكافئني بمثل هذا ؟! سلمك الله ، ووفقك ثم صمت فلم يكلمنا فخرجنا من عنده فلما صرنا على الباب قال : هارون : أبا عباس إذا دللتني على رجل فدلني على مثل هذا هذا سيد المسلمين . فدخلت عليه امرأة من نسائه فقالت : يا هذا قد ترى ما نحن فيه من ضيق الحال فلو قبلت هذا المال فتفرجنا به فقال : إنما مثلي ، ومثلكم كمثل قوم لهم بعير يأكلون من كسبه فلما كبر نحروه فأكلوا لحمه فلما سمع هارون هذا الكلام قال : ندخل فعسى أن يقبل المال فلما علم الفضيل خرج فجلس في السطح على باب الغرفة فجاء هارون فجلس إلى جنبه فجعل يكلمه فلا يجيبه فبينا نحن كذلك إذ خرجت جارية سوداء فقالت : يا هذا قد آذيت الشيخ منذ الليلة فانصرف رحمك الله فانصرفنا .

                                                                          وقال هارون بن إسحاق الهمداني : حدثني رجل من أهل [ ص: 298 ] مكة قال : كنا جلوسا مع فضيل بن عياض فقلنا يا أبا علي كم سنك ؟ فقال :

                                                                          بلغت الثمانين أو جزتها فماذا أؤمل أو أنتظر     أتت لي ثمانون من مولدي
                                                                          ودون الثمانين لي معتبر     علتني السنون فأبلينني
                                                                          فدق العظام ، وكل البصر

                                                                          .

                                                                          قال مجاهد بن موسى : مات سنة ست وثمانين ومائة .

                                                                          وقال يحيى بن معين ، وعلي بن المديني ، وأبو عبيد القاسم بن سلام ، ومحمد بن عبد الله بن نمير ، والبخاري في آخرين : مات بمكة سنة سبع وثمانين ومائة .

                                                                          زاد بعضهم : في أول المحرم ، وحكي عن هشام بن عمار أنه قال : مات يوم عاشوراء .

                                                                          وقال أبو بكر بن عفان سمعت : وكيعا يوم مات الفضيل بن عياض يقول : ذهب الحزن اليوم من الأرض .

                                                                          قال الحافظ أبو بكر : حدث عنه سفيان الثوري ، والحسين بن داود البلخي ، وبين ، وفاتيهما مائة وإحدى وعشرون سنة ، وحدث عنه أبو شهاب الحناط ، وبين ، وفاته ، ووفاة البلخي مائة وعشر أو إحدى [ ص: 299 ] عشرة سنة ، وحدث عنه عبد الله بن المبارك ، وبين ، وفاته ووفاة البلخي مائة سنة ، وسنة واحدة .

                                                                          روى له الجماعة سوى ابن ماجه .

                                                                          أخبرنا أبو إسحاق ابن الدرجي قال : أنبأنا أبو جعفر الصيدلاني ، ومحمد بن معمر الفاخر في جماعة قالوا : أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله قالت : أخبرنا أبو بكر بن ريذة قال : أخبرنا أبو القاسم الطبراني قال : حدثنا معاذ بن المثنى قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا فضيل بن عياض عن منصور ، وحصين بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف قال : كنا نزولا في دار سويد بن مقرن ، وفينا شيخ فيه حدة ، وجهل ، ومعه جارية فلطم وجهها فما رأيت سويدا أشد غضبا منه ذلك اليوم ثم قال : أعجز عليك [ ص: 300 ] إلا حر وجهها ؟! لقد رأيتني سابع سبعة من ولد مقرن ، وما لنا إلا خادم فلطم أصغرنا وجهها فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعتقها .

                                                                          رواه أبو داود عن مسدد فوافقناه فيه بعلو ، ولم يذكر منصور في إسناده ، وليس له عنده غيره ، والله أعلم .

                                                                          وممن يسمى فضيل بن عياض من رواة العلم :

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية