الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          1007 - [تمييز] - الحارث بن أسد المحاسبي ، أبو عبد الله الزاهد البغدادي أحد الأئمة المشهورين .

                                                                          قال الحافظ أبو بكر الخطيب : كان عالما فهما ، وله مصنفات في أصول الديانات ، وكتب في الزهد .

                                                                          وقال في موضع آخر : أحد من اجتمع له الزهد والمعرفة بعلم الظاهر والباطن .

                                                                          روى عن : عبد العزيز بن عبد الله ، ومحمد بن كثير الكوفي ، ويزيد بن هارون .

                                                                          روى عنه : أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي ، وأحمد بن القاسم بن نصر الشاعر ، أخو أبي الليث الفرائضي ، وأبو العباس أحمد بن محمد بن مسروق الطوسي ، وإسماعيل بن [ ص: 209 ] إسحاق الثقفي السراج ، وأبو القاسم الجنيد بن محمد الصوفي ، وأبو علي الحسين بن صالح بن خيران الفقيه .

                                                                          قال الحافظ أبو نعيم : أخبرنا الخلدي في كتابه قال : سمعت الجنيد يقول : مات أبو حارث المحاسبي يوم مات وإن الحارث لمحتاج إلى دانق فضة وخلف مالا كثيرا ، وما أخذ منه حبة واحدة ، وقال : أهل ملتين لا يتوارثان ، وكان أبوه واقفيا .

                                                                          أخبرنا بذلك أبو العز الشيباني ، قال : أخبرنا أبو اليمن الكندي ، قال : أخبرنا أبو منصور القزاز ، قال : أخبرنا أبو بكر الخطيب ، قال : أخبرنا أبو نعيم فذكره .

                                                                          وبه ، قال : أخبرنا أبو نعيم قال : سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول : سمعت أبا علي بن خيران الفقيه يقول : رأيت أبا عبد الله الحارث بن أسد بباب الطاق في وسط الطريق متعلقا بأبيه ، والناس قد اجتمعوا عليه يقول : له طلق أمي فإنك على دين ، وهي على غيره! .

                                                                          قال الحافظ أبو بكر : وللحارث كتب كثيرة في الزهد ، وفي أصول الديانات ، والرد على المخالفين من المعتزلة والرافضة وغيرهما ، وكتب كثيرة الفوائد جمة المنافع ، ذكر أبو علي بن شاذان يوما كتاب الحارث في الدماء ، فقال : على هذا الكتاب عول أصحابنا في أمر الدماء التي جرت بين الصحابة .

                                                                          [ ص: 210 ] وبه ، قال : أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال : أخبرني جعفر الخلدي في كتابه قال : سمعت الجنيد بن محمد يقول : كان الحارث المحاسبي يجيء إلى منزلنا فيقول : اخرج معنا نصحر ، فأقول له تخرجني من عزلتي وأمني على نفسي إلى الطرقات والآفات ورؤية الشهوات؟ فيقول : اخرج معي ولا خوف عليك ، فأخرج معه فكأن الطريق فارغ من كل شيء ، لا نرى شيئا نكرهه ، فإذا حصلت معه في المكان الذي يجلس فيه ، قال : سلني فأقول له ما عندي سؤال أسألك فيقول : لي سلني عما يمنع في نفسك فتنثال علي السؤالات ، فأسأله عنها فيجيبني عنها للوقت ، ثم يمضي إلى منزله فيعملها كتبا .

                                                                          قال : وسمعت الجنيد يقول : كنت كثيرا أقول للحارث : عزلتي أنسي تخرجني إلى وحشة رؤية الناس والطرقات فيقول : لي كم تقول أنسي وعزلتي لو أن نصف الخلق تقربوا مني ما وجدت بهم أنسا ، ولو أن النصف الآخر نأى عني ما استوحشت لبعدهم .

                                                                          قال : وسمعت الجنيد يقول : كان الحارث كثير الضر فاجتاز بي يوما ، وأنا جالس على بابنا فرأيت على وجهه زيادة الضر من الجوع ، فقلت له يا عم لو دخلت إلينا نلت من شيء عندنا؟ قال : وتفعل؟ قلت : نعم وتسرني بذلك وتبرني فدخلت بين يديه ودخل معي وعمدت إلى بيت عمي ، وكان أوسع من بيتنا لا [ ص: 211 ] يخلو من أطعمة فاخرة لا تكون مثلها في بيتنا سريعا ، فجئت بأنواع كثيرة من الطعام ، فوضعته بين يديه فمد يده ، وأخذ لقمة فرفعها إلى فيه فرأيته يلوكها ولا يزدردها ، فوثب وخرج وما كلمني فلما كان الغد لقيته ، فقلت : يا عم سررتني ، ثم نغصت علي ، قال يا بني : أما الفاقة فكانت شديدة وقد اجتهدت في أن أنال من الطعام الذي قدمته إلي ، ولكن بيني وبين الله عز وجل علامة إذا لم يكن الطعام مرضيا ارتفع إلى أنفي منه زفورة ، فلم تقبله نفسي فقد رميت بتلك اللقمة في دهليزكم وخرجت .

                                                                          وبه ، قال : أخبرنا أحمد بن علي بن الحسين المحتسب ، قال : حدثنا الحسن بن الحسين الفقيه الهمذاني ، قال : سمعت محمد بن أحمد بن هارون الزنجاني بزنجان ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق قال ، قال حارث المحاسبي : لكل شيء جوهر ، وجوهر الإنسان العقل ، وجوهر العقل التوفيق .

                                                                          وبه قال : أخبرني أبو الحسن محمد بن عبد الواحد ، قال : أخبرنا محمد بن الحسين النيسابوري قال : سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول : سمعت أبا الحسن ابن الزنجاني يقول : قال حارث المحاسبي ترك الدنيا مع ذكرها صفة الزاهدين ، وتركها مع نسيانها ، صفة العارفين .

                                                                          وقال الحسن بن علي الجوهري : سمعت أبا عبد الله [ ص: 212 ] الحسين بن محمد بن عبيد العسكري يقول : سمعت أبا العباس أحمد بن محمد بن مسروق يقول : سمعت حارثا المحاسبي يقول : ثلاثة أشياء عزيزة أو معدومة حسن الوجه مع الصيانة ، وحسن الخلق مع الديانة ، وحسن الإخاء مع الأمانة .

                                                                          أخبرنا بذلك أبو الحسن ابن البخاري وأحمد بن شيبان ، وزينب بنت مكي ، وزينب بنت أحمد بن كامل ، قالوا .

                                                                          أخبرنا أبو حفص بن طبرزد ، قال : أخبرنا القاضي أبو بكر الأنصاري ، قال : حدثنا الحسن بن علي الجوهري إملاء فذكره .

                                                                          قيل : إنه مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية