الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          1097 - (بخ) : حبيب بن محمد العجمي ، أبو محمد البصري ، أحد الزهاد المشهورين الموصوفين بالزهد والورع والكرامات واستجابة الدعاء .

                                                                          روى عن : بكر بن عبد الله المزني (بخ) ، والحسن البصري ، وشهر بن حوشب ، وأبي تميمة طريف بن مجالد الهجيمي ، والفرزدق الشاعر ومحمد بن سيرين .

                                                                          روى عنه : أبو زكريا إسماعيل بن يونس الصائغ ، وجعفر بن سليمان الضبعي ، والحارث بن موسى الطائي ، وحزم بن أبي حزم القطعي ، والحسن بن أبي جعفر ، وحماد بن سلمة ، وحماد بن عطية العدوي من بلعدوية ، والسري بن يحيى ، وسليمان التيمي ، وهو من أقرانه ، وصالح المري ، وعبد الواحد بن زيد ، وعثمان بن الهيثم المؤذن ، وعلي بن الفضل ، وكثير بن بشار أبو الفضل ، ومعتمر بن سليمان (بخ) ، ومعلى الوراق ويزيد بن [ ص: 390 ] يزيد الخثعمي ، وأبو جعفر السائح ، وأبو عبد الله الشحام ، وأبو عوانة .

                                                                          قال محمد بن يحيى بن أبي حاتم الأزدي ، عن جعفر بن أبي جعفر الرازي ، حدثني أبو جعفر السائح قال : كان حبيب رجلا تاجرا يعير الدراهم فمر ذات يوم بصبيان يلعبون فقال بعضهم : قد جاء آكل الربا فنكس رأسه ، وقال : يا رب أفشيت سري إلى الصبيان فرجع فلبس مدرعة من شعر وغل يده ووضع ماله بين يديه وجعل يقول : يا رب إني أشتري نفسي منك بهذا المال فأعتقني ، فلما أصبح تصدق بالمال كله وأخذ في العبادة ، فلم ير إلا صائما أو قائما أو ذاكرا أو مصليا ، فمر ذات يوم بأولئك الصبيان الذين كانوا عيروه بأكل الربا فلما نظروا إليه قال بعضهم : اسكتوا فقد جاء حبيب العابد فبكى ، وقال يا رب أنت تذم مرة وتحمد مرة فكل من عندك فبلغ من فضله أنه كان يقال : إنه مستجاب الدعاء .

                                                                          وأتاه الحسن هاربا من الحجاج فقال الحسن : يا أبا محمد احفظني من الشرط على أثري ، فقال : استحييت لك يا أبا سعيد ليس بينك وبين ربك من الثقة ما تدعو فيسترك من هؤلاء ، ادخل البيت فدخل ، ودخل الشرط على أثره ، فقالوا يا أبا محمد دخل الحسن ها هنا قال : بيتي فادخلوا فدخلوا فلم يروا الحسن في البيت فذكروا ذلك للحجاج فقال : بلى كان [ ص: 391 ] في بيته ولكن الله طمس أعينكم فلم تروه .

                                                                          وقال عبد العزيز بن معاوية القرشي ، عن قيس بن حفص ، عن المعتمر بن سليمان ، عن أبيه : ما رأيت أحدا قط أعبد من الحسن ، وما رأيت أحدا قط أورع من محمد بن سيرين ، وما رأيت أحدا قط أزهد من مالك بن دينار ، ولا رأيت أحدا قط أخشع لله من محمد بن واسع ، ولا رأيت أحدا قط أصدق يقينا من حبيب أبي محمد .

                                                                          وقال أبو يحيى عبد الصمد بن الفضل البلخي : حدثني إبراهيم بن يوسف ، عن شيخ بصري ، عن عبد الواحد بن زيد قال : كان في حبيب العجمي خصلتان من خصال الأنبياء : النصيحة والرحمة .

                                                                          قال أبو يحيى : هذا الشيخ أبو علي القياس .

                                                                          وقال داود بن المحبر ، عن عبد الواحد بن زيد : كنا عند مالك بن دينار ، ومعنا محمد بن واسع ، وحبيب أبو محمد ، فجاء رجل فكلم مالكا فأغلظ له في قسمة قسمها ، قال : وضعتها في غير حقها وتتبعت بها أهل مجلسك ، ومن يغشاك لتكثر غاشيتك ، وتصرف وجوه الناس إليك ، قال : فبكى مالك ، وقال والله ما أردت هذا قال : بلى والله لقد أردته ، فجعل مالك يبكي والرجل يغلظ له فلما أكثر ذلك عليهم ، رفع حبيب يديه إلى السماء ، ثم قال : اللهم إن هذا قد شغلنا عن ذكرك فأرحنا منه كيف شئت ، قال فسقط والله الرجل على وجهه ميتا فحمل [ ص: 392 ] إلى أهله على سرير ، وكان يقول : إن أبا محمد مستجاب الدعوة .

                                                                          وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني ، فيما أخبرنا أحمد بن أبي الخير ، عن القاضي أبي المكارم اللبان إذنا عن أبي علي الحداد ، عنه حدثنا أبو محمد بن حيان ، قال : حدثنا محمد بن العباس بن أيوب ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن واقد ، قال : حدثنا ضمرة بن ربيعة ، قال حدثني السري بن يحيى قال : كان حبيب أبو محمد يرى بالبصرة يوم التروية ويرى بعرفة عشية عرفة .

                                                                          وبه ، قال : حدثنا أبو بكر بن مالك ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : أخبرت عن سيار بن حاتم ، قال : حدثنا جعفر قال : سمعت حبيبا أبا [ ص: 393 ] محمد يقول : والله إن الشيطان ليلعب بالقراء كما يلعب الصبيان بالجوز ، ولو أن الله دعاني يوم القيامة ، فقال يا حبيب فقلت لبيك فقال جئني بصلاة يوم أو صوم يوم أو ركعة أو تسبيحة أو سجدة أبقيت عليها من إبليس أن لا يكون طعن فيها طعنة فأفسدها ، ما استطعت أن أقول نعم أي رب قال : وسمعت حبيبا أبا محمد يقول : لا تقعدوا فراغا فإن الموت يلزكم .

                                                                          وبه ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن جعفر المؤدب ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : حدثنا علي بن مسلم ، قال : حدثنا سيار ، قال : حدثنا جعفر ، قال كنا ننصرف من مجلس ثابت البناني ، فنأتي حبيبا أبا محمد فيحث علي الصدقة ، فإذا وقعت قام فتعلق بقرن معلق في بيته ، ثم يقول :

                                                                          ها قد تغديت وطابت نفسي فليس في الحي غلام مثلي إلا غلام قد تغدى قبلي .

                                                                          سبحانك وحنانيك ، خلقت فسويت ، وقدرت فهديت ، وأعطيت فأغنيت ، وأقنيت وعافيت ، وعفوت وأعطيت ، فلك الحمد على ما أعطيت حمدا كثيرا طيبا مباركا ، حمدا لا ينقطع أولاه ، ولا ينفد أخراه ، حمدا أنت منتهاه ، وتكون الجنة عقباه ، أنت الكريم الأعلى ، وأنت جزل العطاء ، وأنت أهل النقمات ، وأنت ولي الحسنات ، وأنت الجليل الرحمن ، لا يحفيك سائل ، ولا ينقصك نائل ، ولا يبلغ مدحك ، قول قائل ، سجد وجهي لوجهك الكريم ، ثم يخر فيسجد ونسجد معه ، ثم يفرق الصدقة ، على من حضره من المساكين .

                                                                          [ ص: 394 ] وبه ، قال : حدثنا أبو بكر بن مالك ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : أخبرت عن سيار ، قال : حدثنا جعفر قال : كان حبيب أبو محمد رقيقا من أكثر الناس بكاء ، فبكى ذات ليلة بكاء كثيرا فقالت عمرة بالفارسية : كم تبكي يا أبا محمد؟ فقال لها حبيب بالفارسية : دعيني فإني أريد أن أسلك طريقا لم أسلكه قبل ، إلى هنا عن الحافظ أبي نعيم .

                                                                          وقال أبو بكر أحمد بن مرزوق الدينوري ، أخبرنا الحسن بن علي ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله عن عبد الواحد بن زيد أن حبيبا أبا محمد جزع جزعا شديدا عند الموت فجعل يقول : بالفارسية : أريد أسافر سفرا ما سافرته قط ، أريد أن أسلك طريقا ما سلكته قط ، أريد أن أزور سيدي ومولاي ما رأيته قط ، أريد أن أشرف على أهوال ما رأيت مثلها قط ، أريد أن أدخل تحت التراب وأبقى إلى يوم القيامة ، ثم أوقف بين يدي الله عز وجل فأخاف أن يقول لي : يا حبيب هات تسبيحة واحدة سبحتني في ستين سنة لم يظفر بك الشيطان فيها بشيء ، فماذا أقول ، وليس لي حيلة؟ أقول : يا رب هو ذا قد أتيتك مقبوض اليدين إلى عنقي .

                                                                          قال عبد الواحد : هذا عبد الله ستين سنة مشتغلا به ولم يشتغل من الدنيا بشيء قط فأيش يكون حالنا؟ واغوثاه بالله !! .

                                                                          وقال سعيد بن عامر الضبعي ، عن أبي الفضل كثير بن [ ص: 395 ] يسار ، قال دخلنا على حبيب أبي محمد ، وهو بالموت فقال : أريد أن آخذ طريقا لم أسلكه قط ، لا أدري ما يصنع بي ، قلت : أبشر يا أبا محمد أرجو أن لا يفعل بك إلا خيرا ، قال ما يدريك ليت تلك الكسرة الخبز التي أكلناها لا تكون سما علينا ! .

                                                                          وقال عبيد الله بن محمد بن عائشة ، عن أبي زكريا الصائغ ، قالت امرأة حبيب : كان يقول : إن مت في اليوم فأرسلي إلى فلان يغسلني ، وافعلي كذا ، واصنعي كذا ، فقيل لامرأته : أري رؤيا؟ فقالت : هذا يقوله في كل يوم .

                                                                          روى له البخاري في " الأدب " ، عن بكر بن عبد الله المزني ، كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتبادحون بالبطيخ فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية