الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          معلومات الكتاب

                                                                          تهذيب الكمال في أسماء الرجال

                                                                          المزي - جمال الدين أبو الحجاج المزي

                                                                          صفحة جزء
                                                                          1050 - (ق) : الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله [ ص: 295 ] ابن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي أبو عبد الرحمن المكي ، له صحبة .

                                                                          وهو أخو سلمة بن هشام ، وأبي جهل بن هشام ، أسلم يوم الفتح ، وحسن إسلامه ، وخرج إلى الشام مجاهدا ، وحبس نفسه في الجهاد ، ولم يزل بالشام إلى أن قتل باليرموك ، ويقال : مات في طاعون عمواس .

                                                                          روى عن : النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                          روى عنه : ابنه عبد الرحمن بن الحارث بن هشام .

                                                                          قال أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم ابن البرقي : أمه أسماء بنت مخربة ، أحد بني نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، أسلم يوم الفتح وكان من المؤلفة ، وتوفي سنة ثماني عشرة بالشام من الطاعون ، وكان قد عمي قبل وفاته له حديث .

                                                                          [ ص: 296 ] وذكره محمد بن سعد في الطبقة الرابعة ، وقال أسلم يوم الفتح ، وأصيب شهيدا بالشام ، وأمه أسماء بنت مخربة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم هكذا ذكره في " الكبير " . وذكره في " الصغير " في الطبقة الخامسة ، وقال : يكنى أبا عبد الرحمن ، مات في طاعون عمواس بالشام سنة ثماني عشرة ، وخلف عمر على امرأته فاطمة بنت الوليد بن المغيرة ، وهي أم عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، ولعبد الرحمن دار بالمدينة ربة .

                                                                          وقال خليفة بن خياط : أمه أم الجلاس اسمها أسماء بنت مخربة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم ، استشهد يوم اليرموك .

                                                                          وقال الزبير بن بكار : وأم الحارث ، وأبي جهل ، واسمه عمرو بن هشام بن المغيرة أسماء بنت مخربة بن جندل ، وإخوتهما لأمهما عياش وعبد الله ، وأم حجير بنو أبي ربيعة بن المغيرة .

                                                                          وقال أبو بكر بن أبي خيثمة ، عن مصعب بن عبد الله الزبيري : كان مذكورا شريفا أسلم يوم فتح مكة ، يقولون : إن أم هانئ بنت أبي طالب استأمنت له فأمنه النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                          وقال الزبير بن بكار : كان شريفا مذكورا وله يقول : كعب [ ص: 297 ] ابن الأشرف اليهودي ، وهو من طي من أهل الجبلين ، وأمه من بني النضير :

                                                                          نبئت أن الحارث بن هشامهم في الناس يبني المكرمات ويجمع . ليزور يثرب بالجموع وإنما يبني على الحسب القديم الأرفع .

                                                                          قال : وشهد الحارث بن هشام بدرا مع المشركين وكان فيمن انهزم يومئذ فعيره حسان بن ثابت فقال :

                                                                          إن كنت كاذبة الذي حدثتني . فنجوت منجى الحارث بن هشام . ترك الأحبة أن يقاتل دونهم ونجا برأس طمرة ولجام .

                                                                          فقال الحارث بن هشام يعتذر من فراره يومئذ : القوم أعلم ما تركت قتالهم حتى رموا فرسي بأشقر مزبد . فعلمت أني إن أقاتل واحدا أقتل ولا ينكي عدوي مشهدي ، فصددت عنهم والأحبة فيهم . طمعا لهم بعقاب يوم مفسد .

                                                                          قال : ثم غزا أحدا مع المشركين ولم يزل مستمسكا بالشرك حتى أسلم يوم فتح مكة استأمنت له أم هانئ بنت أبي طالب ، وكان لجأ إلى منزلها واستجار بها فتفلت عليه علي بن أبي طالب ليقتله فقالت أم هانئ للنبي صلى الله عليه وسلم حين دخل منزلها ذلك اليوم يا رسول الله ألا ترى إلى ابن أمي أجرت رجلا فأراد أن [ ص: 298 ] يقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد أجرنا من أجرت ، وأمنه ، ثم حسن إسلام الحارث بن هشام .

                                                                          وقال عبد الله بن المبارك ، عن حنظلة بن أبي سفيان : سمعت سالم بن عبد الله قيل له : فيما نزلت هذه الآية ليس لك من الأمر شيء فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام فنزلت هذه الآية كذا رواه حنظلة عن سالم مرسلا ، ورواه عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر (ت) ، عن سالم ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يوم أحد اللهم العن أبا سفيان اللهم العن الحارث اللهم العن صفوان بن أمية فنزلت ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون فتاب عليهم وأسلموا فحسن إسلامهم .

                                                                          وقال محمد بن سعد ، عن محمد بن عمر ، حدثني سليط بن مسلم ، عن عبد الله بن عكرمة ، قال : لما كان يوم الفتح دخل الحارث بن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة على أم هانئ بنت أبي طالب فاستجارا بها وقالا : نحن في جوارك فأجارتهما ، فذكر الحديث ، وقال قال الحارث بن هشام وجعلت أستحيي أن [ ص: 299 ] يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكر رؤيته إياي في كل موطن موضعا مع المشركين ، ثم أذكر بره ورحمه وصلته ، فألقاه وهو داخل إلى المسجد فيلقاني بالبشر ووقف حتى حييته ، وسلمت عليه ، وشهدت شهادة الحق ، فقال : الحمد لله الذي هداك ما كان مثلك يجهل الإسلام قال الحارث : فوالله ما رأيت مثل الإسلام جميلا .

                                                                          قال محمد بن عمر وشهد الحارث بن هشام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا ، وأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غنائم حنين مائة من الإبل ، قال : وقال أصحابنا : لم يزل الحارث بن هشام مقيما بمكة بعد أن أسلم حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غير مغموص عليه في إسلامه ، فلما جاء كتاب أبي بكر الصديق يستنفر المسلمين إلى غزو الروم ، قدم الحارث بن هشام ، وعكرمة بن أبي جهل ، وسهيل بن عمرو على أبي بكر الصديق المدينة فأتاهم في منازلهم فرحب بهم ، وسلم عليهم ، وسر بمكانهم ، ثم خرجوا مع المسلمين غزاة إلى الشام ، فشهد الحارث فحل ، وأجنادين ، ومات بالشام في طاعون عمواس ، فتزوج عمر بن الخطاب ابنته أم حكيم بنت الحارث بن هشام ، وهي أخت عبد الرحمن بن الحارث ، فكان عبد الرحمن يقول : ما رأيت ربيبا خيرا من عمر بن الخطاب .

                                                                          وقال عبد الله بن المبارك ، عن الأسود بن شيبان السدوسي ، عن أبي نوفل بن أبي عقرب : خرج الحارث بن هشام من مكة فجزع أهل مكة جزعا شديدا فلم يبق أحد يطعم إلا [ ص: 300 ] خرج يشيعه حتى إذا كان بأعلى البطحاء ، أو حيث شاء الله من ذلك وقف ووقف الناس حوله يبكون فلما رأى جزع الناس قال يا أيها الناس إني والله ما خرجت رغبة بنفسي عن أنفسكم ولا اختيار بلد عن بلدكم ولكن كان هذا الأمر فخرجت فيه رجال من قريش ، والله ما كانوا من ذوي أسنانها ولا في بيوتاتها ، فأصبحنا والله لو أن جبال مكة ذهب ، فأنفقناها في سبيل الله ما أدركنا يوما من أيامهم ، وايم الله لئن فاتونا به في الدنيا لنلتمس أن نشاركهم في الآخرة ، فاتقى الله امرؤ فتوجه غازيا إلى الشام ، واتبعه ثقله فأصيب شهيدا .

                                                                          وقال الزبير بن بكار ، عن عمه مصعب بن عبد الله : وخرج يعني الحارث بن هشام في زمن عمر بن الخطاب بأهله وماله من مكة إلى الشام ، فتبعه أهل مكة يبكون عليه فرق وبكى ، ثم قال أما لو كنا نستبدل دارا بدار وجارا بجار ما أردنا بكم بدلا ، ولكنها النقلة إلى الله ، فلم يزل حابسا نفسه ومن معه بالشام مجاهدا ، ولم يبق من أهله وولده غير عبد الرحمن وأم حكيم بنت الحارث حتى ختم الله له بخير .

                                                                          وقال محمد بن سعد ، عن محمد بن عمر الواقدي : حدثنا يزيد بن فراس عن سنان بن أبي سنان الديلي ، عن أبيه قال : رأيت عمر بن الخطاب ، وقدم عليه سهيل بن عمرو والحارث بن هشام ، وعكرمة بن أبي جهل ، فأرسل إلى كل واحد منهم بخمسة آلاف وفرس .

                                                                          [ ص: 301 ] قال الواقدي هذا أغلط الأحاديث إنما قدموا على أبي بكر ، وكان أول الناس ضرب خيمة في عسكر أبي بكر بالجرف عكرمة بن أبي جهل ، وقتل بأجنادين في خلافة أبي بكر ، فكيف يكون في خلافة عمر ؟ هذا لا يعرف ، وأما سهيل بن عمرو ، والحارث بن هشام فقد شهدا أجنادين ، الحارث بن هشام يحمل راية المسلمين يوم أجنادين فكيف يكون مع عمر؟ ومات بالشام في طاعون عمواس .

                                                                          وقال محمد بن عبد الله الأنصاري ، عن أبي يونس القشيري ، حدثني حبيب بن أبي ثابت أن الحارث بن هشام ، وعكرمة بن أبي جهل ، وعياش بن أبي ربيعة ارتثوا يوم اليرموك فدعا الحارث بماء ليشربه فنظر إليه عكرمة فقال الحارث ادفعوه إلى عكرمة فنظر إليه عياش بن أبي ربيعة فقال عكرمة ادفعوه إلى عياش فما وصل إلى عياش ولا إلى أحد منهم حتى ماتوا وما ذاقوه .

                                                                          أخبرنا بذلك أبو الحسن ابن البخاري ، قال : أنبأنا أبو جعفر الصيدلاني ، قال : أخبرنا محمود بن إسماعيل الصيرفي ، قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن شاذان ، قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن محمد بن فورك القباب ، قال : حدثنا الوليد بن أبان ، قال حدثني أبو أحمد يزيد بن مخلد ، قال : حدثنا الأنصاري فذكره ، رواه محمد بن سعد عن الأنصاري ، وقال في [ ص: 302 ] آخره فذكرت هذا الحديث لمحمد بن عمر فأنكره ، وقال : هذا وهم ، روايتنا عن أصحابنا جميعا من أهل العلم والسيرة أن عكرمة بن أبي جهل ، قتل يوم أجنادين شهيدا في خلافة أبي بكر الصديق لا اختلاف بينهم في ذلك ، وأما عياش بن أبي ربيعة فمات بمكة وأما الحارث بن هشام فمات بالشام في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة ، وهكذا ذكر غير واحد في تاريخ وفاته ، وقد روي أنه بقي إلى زمن عثمان .

                                                                          روى يونس بن عبد الأعلى ، عن ابن وهب ، عن ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن ابن شهاب ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، أن الحارث بن هشام كاتب عبدا له في كل أجل شيء مسمى ، فلما فرغ من كتابته أتاه العبد بماله كله فأبى الحارث أن يأخذه ، وقال لي شرطي ، ثم إنه رفع ذلك إلى عثمان بن عفان فقال عثمان هلم المال اجعله في بيت المال ، ونعطيه في كل أجل ما يحل وأعتق العبد ، قال يونس هذا قول مالك وأهل المدينة .

                                                                          روى له ابن ماجه حديثا واحدا .

                                                                          أخبرنا به أبو إسحاق ابن الدرجي ، قال : أنبأنا أبو جعفر الصيدلاني في جماعة قالوا : أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله ، قالت : أخبرنا أبو بكر بن ريذة ، قال : أخبرنا أبو القاسم [ ص: 303 ] الطبراني ، قال : حدثنا عبيد بن غنام ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا أسود بن عامر ، عن زهير ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن أبيه ، عن عبد الملك بن الحارث بن هشام ، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم سلمة في شوال وجمعها إليه في شوال .

                                                                          رواه عن أبي بكر فوافقناه فيه بعلو ، هكذا رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن أسود بن عامر فقال عن عبد الملك بن الحارث بن هشام وذلك وهم منه ، والله أعلم . ورواه محمد بن يزيد المستملي ، عن أسود بن عامر ، فقال : عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وهو الصواب إن شاء الله ، وقد وقع لنا عاليا أيضا .

                                                                          أخبرنا به أبو بكر محمد بن إسماعيل ابن الأنماطي الأنصاري ، وأمة الحق شامية بنت الحسن بن محمد ابن البكري ، قالا : أخبرنا أبو البركات داود بن أحمد بن محمد بن ملاعب ، قال : أخبرنا الشريف أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد العزيز العباسي المكي ببغداد ، قال : أخبرنا أبو علي الحسن بن عبد الرحمن بن الحسن الشافعي المكي ، قال : أخبرنا أبو الحسن أحمد بن إبراهيم بن فراس العبقسي المكي ، قال : أخبرنا أبو الفضل العباس بن محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني بمكة ، قال : حدثنا محمد بن يزيد ، قال : حدثنا أسود بن عامر ، عن زهير بن معاوية ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم [ ص: 304 ] سلمة في شوال وجمعها إليه في شوال ، وفيه خلاف غير ذلك ، وذكره صاحب " الأطراف " في مسند أم سلمة في ترجمة أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عنها ، وذلك وهم ليس لها هذا الإسناد رواية والله أعلم .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية