[ ص: 142 ]   [ الركن الرابع ] 
العلة وهي شرط في صحة القياس  ليجمع بها بين الأصل والفرع . قال  ابن فورك    : من الناس من اقتصر على الشبه ومنع القول بالعلة . وقال ابن السمعاني    : ذهب بعض القياسين من الحنفية وغيرهم إلى صحة القياس من غير علة إذا لاح بعض الشبه . وذهب جمهور القياسين من الفقهاء والمتكلمين إلى أن العلة لا بد منها في القياس وهي ركن القياس لا يقوم القياس إلا بها . والعلة  في اللغة قيل : هي اسم لما يتغير حكم الشيء بحصوله ، مأخوذ من العلة التي هي المرض ، لأن تأثيرها في الحكم كأثر العلة في ذات المريض . ويقال : اعتل فلان إذا حال عن الصحة إلى السقم . وهذا المعنى اعتمده  القاضي أبو بكر  في كتاب الإخبار عن أحكام العلل " وهو مجلد لطيف وجرى عليه إلكيا  وابن السمعاني    . وقيل : لأنها ناقلة بحكم الأصل إلى الفرع كالانتقال بالعلة من الصحة إلى المرض ، حكاه ابن السمعاني  ، وقال : الأول أحسن ، لأنا قبلنا صحة التعليل بالقاصرة . وقيل : إنها مأخوذة من العلل بعد النهل ، وهو معاودة الماء للشرب مرة بعد مرة ، لأن المجتهد في استخراجها يعاود النظر بعد النظر ، ولأن الحكم يتكرر بتكرار وجودها ، ولأن الحادثة مستمرة باقية غير متكررة عند جمهور القدرية    . قال إلكيا    : وقد يعبر بها عما لأجل ذلك يقدم على الفعل أو يمنع منه يقال : فعل الفعل لعلة كيت ، أو لم يفعل لعلة كيت . وقد استعملت في المعلولات في المعنى الذي يوجب لغيره حالا كالعلم يوجب العالمية ، والوصف من غير حال السواد فقال : إنه علة في وصف المحل بأنه أسود .  [ ص: 143 ] وأما في الاصطلاح : فاختلفوا فيها على خمسة أقوال : أحدها : أنها المعرف للحكم أي جعلت علما على الحكم إن وجد المعنى وجد الحكم ، قاله الصيرفي  في " كتاب الإعلام " وابن عبدان  في " شرائط الأحكام " وأبو زيد  من الحنفية ، وحكاه سليم  في " التقريب " عن بعض الفقهاء واختاره صاحب " المحصول " والمنهاج " . أي ما يكون دالا على وجود الحكم وليست مؤثرة لأن المؤثر هو الله ، ولأن الحكم قديم فلا يؤثر فيه الحادث . ونقض ب " العلامة " فإن الحد صادق عليها وليست الأحكام مضافة إليها . وهذا بالنسبة إلى العلل الشرعية كما قاله الصيرفي    . أما العقلية فموجبة . والفرق بينهما أن الشرع دخله التعبد الذي لا يعقل معناه ، بخلاف العقل فإن أحكامه معقولة المعاني فمن ثم كانت علله مؤثرة وعلل الشرع معرفات والمؤثر إنما هو خطاب الشرع . وعبارة ابن عبدان  في الفرق أن العقلية من موجبات العقول ، والشرعية ليست من موجباته ، بل هي أمارات ودلالات في الظاهر . وقال في " التقويم " : علل الشرع أعلام في الحقيقة على الأحكام ، والموجب هو الله تعالى بدليل أنها كانت موجودة قبل الشرع ، ولو كانت موجبة لم تنفك عن معلولاتها قال : ويجوز أن تسمى أدلة لأنها دلت على حكم الله في الفروع قال : وبعضها أظهر من بعض ، حتى قال علماؤنا : الظاهر منها قياس ، والباطن استحسان .  [ ص: 144 ] تنبيه قال الهندي    : ليس المراد بكونها معرفة أنها تعرف حكم الأصل ، فإن ذلك لا يعرف بالنص بل حكم الفرع ، لكن يخدشه قول أصحابنا إن حكم الأصل معلل بالعلة المشتركة بينه وبين الشرع مع أنه غير معرف بها . الثاني : أنها الموجب للحكم على معنى أن الشارع جعلها موجبة لذاتها ، وهو قول الغزالي  وسليم    . قال الهندي    : وهو قريب لا بأس به ، فالعلة في تحريم النبيذ  هي الشدة المطربة كانت موجودة قبل تعلق التحريم بها ، ولكنها علة بجعل الشارع . الثالث : أنها الموجبة للحكم بذاتها لا بجعل الله ، وهو قول المعتزلة  بناء على قاعدتهم في التحسين والتقبيح العقلي . والعلة وصف ذاتي لا يوقف على جعل جاعل ويعبرون عنه تارة بالمؤثر . الرابع : أنها الموجبة بالعادة ، واختاره الإمام فخر الدين الرازي  في " الرسالة البهائية " في القياس وهو غير الثاني . الخامس : الباعث على التشريع بمعنى أنه لا بد أن يكون الوصف مشتملا على مصلحة صالحة أن تكون مقصودة للشارع من شرع الحكم . ومنهم من عبر عنها بالتي يعلم الله صلاح المتعبدين في التعبد بالحكم لأجلها ، وهو اختيار الآمدي   وابن الحاجب  وهو نزعة القائلين بأن الرب تعالى يعلل أفعاله بالأغراض . والصحيح عند الأشعرية  خلافه . ونحوه قول ابن القطان    : العلة عندنا هي المعنى الذي كان الحكم على ما كان عليه لأجلها ، وهو الغرض والمعنى الجالب للحكم ثم قال : والعلة ما جلب الحكم . قال : وإلى هذا كان يذهب  أبو علي بن أبي هريرة    . انتهى . وحكى الماوردي  في باب الربا القولين فقال : العلة هي التي لأجلها ثبت الحكم . وقيل : الصفة الجالبة للحكم .  [ ص: 145 ] وقال  الأستاذ أبو منصور    : اختلف في العلة فقيل : إنها صفة قائمة بالمعلول كالشدة في الخمر . وهو خطأ ، لأن بعض الأغراض قد يكون علة لغرض آخر ولا يقوم أحدهما بالآخر . وقال : وإنما معنى العلة السبب الذي يتعلق به الحكم اجتهادا فإن النص الجالب للحكم لا يكون علة له ، لأنه ليس من طريق الاجتهاد ، والاعتلال استدلال المعلل بالعلة وإظهاره لها ، والمعتل هو المعلل والمعتل به نفس العلة وقال إلكيا    : العلة في عرف الفقهاء الصفة التي يتعلق الحكم الشرعي بها ، والعقلية موجبة على رأي القائلين بها والشرعية موضوعة ولكنها مشبهة بها في الشرع ، أثبت الحكم لأجلها في طريق الفقهاء فكان أقرب عبارة على هذا التقدير عبارة العلة ليكون الحكم تبع الحقيقة على مثالها . وقال ابن السمعاني    : قالوا : إنها الصفة الجالبة للحكم . وقيل : إنها المعنى المنشئ . 
				
						
						
