الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      مسألة

                                                      قال إمام الحرمين في " النهاية " ، في باب العيب في المنكوحة : الفرق نوعان : ( أحدهما ) يقع بين مسألتين . و ( الثاني ) يقع في موضعين ومأخذين .

                                                      فما ثبت بين مسألتين يثبت وينتفي وينعكس ، وما يقع بين مأخذين يبين مأخذ كل جهة . ثم ذلك يوجب الانفصال بنفيين وإثباتين ( انتهى ) .

                                                      وهذا يحتاج إلى إيضاح ، ومعناه - كما قاله بعضهم : أن الفرع الواقع بين مسألتين هو مذكور في كتاب القياس ، لأن القائس جمع بين أصل وفرع بعلة ، والفارق فرق بينهم بعلة أخرى يثبت الحكم في الأصل بثبوتها ، وينتفي في الفرع بانتفائها . وهذا معنى الاطراد والانعكاس ، واقتصروا في كتاب القياس على هذا النوع ، لأنه المحتاج إليه في جواب القياس ، وكل من العلة واقتضائها الحكم معلوم ، وإنما النظر في وجودها في ذلك المحل وعدمها ، هو تصديق مسبوق بتصور .

                                                      والنوع الثاني هو الواقع بين حقيقتين ليميز بينهما ويبين اللبس عمن يتوهم [ ص: 392 ] أنهما حقيقة واحدة ، أو بين انتفائها لحكمين مختلفين ليتميز ذلك وينتفي اللبس عمن يتوهم أن مأخذ الحكمين واحد ، وأن انتفاء الحقيقتين واحد ، وهو يوجب الانفصال بنفيين وإثباتين ، وإنه حيث انتفى ينتفي الحكم وحيث . ثبت يثبت الحكم ، هو مطرد منعكس كالنوع الأول ، وهذا كثير في الفقه من أوله إلى آخره ، وهو أكثر وأنفع من الأول ، فإنه به تتميز الحقائق والمآخذ ويفهم ترتيب الفقه عليها .

                                                      ومن هذا : الفرق بين حقيقة انفساخ النكاح في الردة وفسخه بالعيوب ، فيعلم أنهما حقيقتان متغايرتان ، لأن الأول من طارئ غير مستند إلى أمر مقارن ، والثاني مستند إلى مقارن . والفرق بين ردة الزوج وردة الزوجة ، حيث كانت ردة منتظرة بينهما بطلاقه ، وردتها حيث كانت هي القاطعة كالرضاع فاختلف المأخذ . وهذا كثير ، وفيه صنف الشيخ أبو محمد الجويني كتاب " الجمع والفرق " .

                                                      والقدر المشترك بين النوعين هو الفرق بين شيئين . ومعناه : الفصل بينهما . فإن كان بين حقيقتين فهو النوع الأول . وإن كان بين محلين فهو النوع الثاني . والأول أنفع وأفقه . ويمكن رد الأول إلى الثاني وإدراجه في قول الفقهاء : الفرق أبدا معنى في إحدى الصورتين مفقود في الأخرى ، لأن النزاع لا بد أن يكون بين صورتين ، أعني في القياس . فالفارق إن نازع في حقيقة العلة أو في اقتضائها فهو النوع الأول ، وإذا تم له ما ادعاه ترتب عليه الفرق بين المسألتين ، لافتراقهما في ذلك المعنى . وإن سلم حقيقة العلة واقتضاءها ونازع في ثبوت الحكم والفرع بعلة أخرى فهو النوع الثاني . والمقصود بالفرق يحصل على التقديرين .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية