الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      مسألة

                                                      القائلون بتخصيص العلة اختلفوا في أنه هل يجب على المستدل ابتداء [ ص: 347 ] التعرض لنفي المانع ، بأن يذكر قيدا يخرج به محل النقض ؟ فيه مذاهب :

                                                      أحدها : أنه يلزمه مطلقا ، لئلا تنقض العلة .

                                                      والثاني : لا يلزمه مطلقا ، واختاره ابن الحاجب ، ونقله الهندي في " النهاية " عن الأكثرين . وقال : إنه الحق ، كما في سائر المعارض .

                                                      والثالث : إن كان سببا ، وهو ما يرد على كل علة ، كالعرايا ، لم يلزمه ، وإلا كالتطوع في مسألة تبييت النية لزمه ، إذ لا يبقى إلا الدعوى المجردة في خروجه عن القاعدة . واختاره الغزالي في " شفاء العليل " ولم يقف ابن دقيق على هذا المذهب فقال : لو قيل به لم يكن له وجه .

                                                      الرابع : إن كان مناظرا وجب الاحتراز عنه مطلقا ، وإن كان ناظرا مجتهدا فكذلك ، إلا فيما اشتهر من المستثنيات فصار كالمذكورة . وقال في " شفاء العليل " : أنه إذا لم يستثن وجب على الناظر . وأما المجتهد فهل ينقطع ظنه عن العلة التي ظنها ؟ وهل يجوز أن يبقى الظن مع ورود النقض ؟ تردد القاضي في هذا ، بناء على القول ببطلان العلة بمثل هذا النقض ، هل هو معلوم أو مظنون ؟ قال : والمختار عندي : إن قدح الاعتذار عن مسألة النقض بفرق فقهي ، فلا شك في انقطاع الظن ، وإن لم يقدح عذر ففي انقطاع الظن نظر . تنبيه :

                                                      المراد بالاحتراز عنه ذكره إما في أول الدليل ، أو بعد توجه النقض عليه ، ولا يعد منقطعا . هذا اصطلاح متأخري الجدليين . وأما المتقدمون منهم فاعتبروه أول الدليل ، وقالوا : إن أخذ القيد للنقض في الدليل أولا قبل [ ص: 348 ] منه ، وإن لم يأخذه أولا وأورده عليه فأخذه قيدا لم يقبل ، ويعد منقطعا ، وعليه جرى في " المستصفى " وبه تصير المذاهب خمسة ، وصاحب " المحصول " حكى الخلاف في الاحتراز عنه في الدليل قولين ولم يرجح شيئا ، ثم حكاه أيضا في الوارد استثناء فقال : وهل يجب الاحتراز عنه في اللفظ ؟ اختلفوا فيه ، والأولى الاحتراز . انتهى .

                                                      وقال صاحب " المقترح " : يضره الاحتراز ، لأنه يكون اعترافا منه بأن النقض لا يدل على التعليل . وفيما قاله نظر ، لأن غايته أن تعرض لما يلزم ، ونبه المعترض على أن النقض لا يرد عليه ، وليس فيه ما يدل على اعترافه .

                                                      فرع :

                                                      ذهب بعضهم إلى أن بطلان العلة بالنقض من القطعيات . قال القاضي : وليس الأمر كذلك عندي ، بل هي من المجتهدات . وكل مأمور بما غلب على ظنه . وجعل إمام الحرمين بعضه قطعيا وبعضه ظنيا بناء على تفصيله السابق .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية