الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      السابع عشر : إن كانت مستنبطة فالشرط أن لا يرجع على الأصل بإبطاله أو إبطال بعضه ، لئلا يفضي إلى ترك الراجح إلى المرجوح ، إذ الظن المستفاد من النص أقوى من المستفاد من الاستنباط ، لأنه فرع لهذا الحكم ، والفرع لا يرجع على إبطال أصله ، وإلا لزم أن يرجع إلى نفسه بالإبطال . ومن ثم ضعف مدرك الحنفية في تأويلهم قوله : { في أربعين شاة شاة } أي قيمة شاة ، لأن القصد دفع الحاجة أو القيمة ، فإن هذا يلزم منه أن لا تجب الشاة أصلا ، لأنه إذا وجبت القيمة لم تجز الشاة فلم تكن مجزئة وهي مجزئة بالاتفاق . هكذا مثلوا به ، ونازع فيه الغزالي من جهة أن من أجاز القيمة فهو مستنبط معنى معمم ، لا مبطل ، لأنه لا يمنع إجزاء الشياه . وفيه ثلاثة أجوبة :

                                                      أحدها : أن استنباط القيمة ألغى تعلق الزكاة بالعين ابتداء الذي عليه الدليل ، وهذا معنى الإبطال أي إبطال التعلق .

                                                      الثاني : أنه ألغى تعيينها ، من بنت المخاض أو بنت اللبون أو حقة أو جذعة ، وصير الواجب جائزا .

                                                      لأنه إن كانت القيمة هي الواجب لم تكن الشاة واجبة ولا يلزم وجوبها ولا قائل به . [ ص: 194 ]

                                                      الثالث : يقال : وإن أجزأت الشاة لكن من حيث لم يخص الأجزاء بها فبطل لفظ { في أربعين شاة شاة } وليست القيمة أعم من الشاة .

                                                      ومن مثله أيضا مصير بعض المالكية إلى الاكتفاء في إتباع رمضان بصوم ستة أيام من غير شوال ، نظرا لمعنى تكميل السنة . وهذا يبطل خصوص شوال الذي دل عليه النص . وكذا قوله { ذكاة الجنين ذكاة أمه } فإن الخصوم يقدرون فيه " مثل " ذكاة أمه ، وهذا التقدير يرفع ، لكونه غير محتاج إليه ، لإمكان صحة الكلام بدونه لأن الجنين إذا احتيج إلى ذكاته فذكاته كغيره من الحيوانات لا خصوصية لأمه . ثم إن كل واحد يعرف أن ذكاته كذكاتها فلا يكون اللفظ مفيدا ألبتة . ولا يقال : للشافعي قول يقتضي الجواز حيث جوز الإمعان في غسلات الكلب ، نظرا إلى أن المعنى في التراب الخشونة المزيلة . وهذا يبطل خصوص التراب ، لأنا نقول : هو على هذا القول عاد على أصله بالتعميم ، لأنه جعل العلة الاستظهار ، وهي أعم من الجمع بين الطهورين . [ ص: 195 ]

                                                      وقال الهندي : هذا الشرط صحيح إن عنى بذلك إبطاله بالكلية ، فأما إذا لزم فيه تخصيص الحكم ببعض الأفراد دون البعض فينبغي أن يجوز ، لأنه كتخصيص العلة لحكم نص آخر وهو جائز ، فكذا هذا ، وإن كان بينهما فرق لطيف لا ينتهي إلى درجة أن لا يجوز بذلك معه . انتهى .

                                                      وهذا الذي توقف فيه ولم يظفر فيه بنقل قد وجدت النقل بخلافه في كتاب الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني وتلميذه أبي منصور البغدادي ، فشرطا في العلة : أن لا يرجع على أصلها بالتخصيص ، خلافا للحنفية ، فإنهم اعتلوا لتحريم التفاضل في البر والشعير بالكيل ، لأن النص الوارد بتحريم التفاضل فيهما شامل للقليل والكثير منهما ، والكيل يخص الكثير دون القليل ، فهذه العلة توجب في القليل من أصلها ضد ما أوجبه النص في ذلك . ولا يجوز أن تكون العلة المنتزعة من أصل مخصصة لأصلها وإن جاز تخصيص اسم آخر غير أصلها بها . انتهى : واعلم أن في عودها على الأصل بالتخصيص قولين للشافعي وغيره وسبقت في باب العموم .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية