الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      سادسها : أن يكون الحكم متفقا عليه ، لأنه لو كان ممنوعا منه لاحتاج القياس إلى ثبوته فينتقل من مسألة إلى أخرى . وهذا الشرط لا يغني عن قولهم فيما سبق : أن لا يكون حكمه ثابتا بالقياس على أصل آخر . لجواز أن يكون كذلك مع وقوع الخلاف فيه . وجوز آخرون القياس على الأصل الممنوع الحكم مطلقا ، لأن القياس في نفسه لا يشترط الاتفاق عليه في جواز التمسك به ، فسقوط ذلك في كل ركن من أركانه أولى .

                                                      وقيل : يجوز إن كان المنع خفيا .

                                                      وقيل : يجوز إن أمكن الدلالة عليه بنص أو إجماع يثبتان حكم الأصل ولا يتناولان محل النزاع ، فإذا ثبت الأصل استنبط منه علة عدى بها الحكم إلى الفرع ، فلا يكون حكم الفرع ثابتا بما ثبت به حكم الأصل الممنوع . فيقال : كان استعمال الأصل حشوا ، ولا يكون حكم الأصل الممنوع مختصا في ثبوته بما ينقطع به إلحاق الفرع به . وقيل : يبنى الأمر على اصطلاح [ ص: 111 ] أهل العصر من غير جحود ذكره بعض الجدليين .

                                                      وإذا قلنا بالأول : فاختلفوا في كيفية الاتفاق عليه : فشرط بعضهم أن يتفق عليه الخصمان فقط لتنضبط فائدة المناظرة ، ومنهم من شرط أن يكون متفقا عليه بين الأمة ، والصحيح الأول . واختار في " المنتهى " أن المعترض إن كان مقلدا لم يشترط الإجماع إذ ليس منع ما ثبت : مذهبا له ، وإن كان مجتهدا اشترط ، لأن المجتهد ليس مرتبطا بإمام ، فإذا لم يكن الحكم مجمعا عليه ولا منصوصا عليه جاز له أن يمنعه في الأصل فبطل القياس أو يعين علة لا تتعدى إلى الفرع . وهذا تفصيل حسن ، لكن وقوعه بعيد . ثم إذا اتفقا على إثبات الحكم في الأصل نظر : فإن كان بعلتين فالعلة عند الخصم غير العلة عند المستدل ، فهو مركب الأصل ، لأن الأصل ، أي ما جعل جامعا ، وصفان يصلح كل منهما أن يكون علة ، كما في قياس حلي البالغة على حلي الصبية ، فإن عدم الوجوب في حلي الصبية متفق عليه بين الخصمين لكن لعلتين مختلفتين ، فإنه عندنا لعلة كونه حليا ، وعندهم لعلة كونه مالا للصبية ، والمعترض على أحد الحسنيين لأن علته إن كانت هي الصحيحة في نفس الأمر انقطع قياس خصمه ، وإن كانت علة المعترض هي الباطلة منع حكم الأصل فانقطع القياس أيضا .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية