الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ الثاني : الظاهر ] وأما الظاهر فهو كل ما ينقدح حمله على غيره التعليل أو الاعتبار إلا على بعد . وهو أقسام :

                                                      أحدها - اللام : وهي إما مقدرة ، كما سيأتي في مذهب الكوفيين ، وإما ظاهرة ، لقوله تعالى : { لدلوك الشمس } ، { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } ، { وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به } { وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به } والقرآن محشو من هذا . [ ص: 242 ] فإن قلت : اللام فيه للعاقبة ، كقوله تعالى : { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا } وقوله : { ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة } قلت : لام العاقبة إنما تكون في حق من يجهلها ، كقوله : { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم } . . . أو يعجز عن دفعها ، كقول الشاعر : . . .

                                                      لدوا للموت وابنوا للخراب

                                                      . وأما من هو بكل شيء عليم فيستحيل في حقه معنى هذه اللام ، وإنما اللام الواردة في أحكامه وأفعاله لام الحكم والغاية المطلوبة من الحكمة . وقوله : { ليكون لهم عدوا وحزنا } هو تعليل لقضاء الله بالتقاطه وتقديره له ، فإن التقاطهم إنما كان لقضائه ، وذكر فضلهم دون قضائه لأنه أبلغ في كونه جزاء لهم وحسرة عليهم وعن البصريين إنكار لام العاقبة .

                                                      قال الزمخشري : والتحقيق لام العلة ، فإن التعليل فيها وارد على طريق المجاز دون الحقيقة ، لأن داعيهم للالتقاط لم يكن لكونه عدوا وحزنا ، بل المحبة والتبني ، غير أن ذلك لما كان نتيجة التقاطهم له وثمرة ، شبه بالداعي الذي يفعل الفعل لأجله ، فاللام مستعارة لما يشبه التعليل ، كما استعير الأسد لمن يشبه الأسد . ونقل ابن خالويه في كتابه المبتدأ عن البصريين أنها لام الصيرورة ، وعن الكوفيين أنها لام التعليل . ونقل ابن فورك عن الأشعري أن كل لام نسبها الله لنفسه فهي للعاقبة والصيرورة دون التعليل ، لاستحالة الغرض ، فكأن المخبر في " لام الصيرورة " قال : فعلت هذا بعد هذا ، لا أنه غرض [ ص: 243 ] لي . واستشكله الشيخ عز الدين بقوله تعالى : { كي لا يكون دولة بين الأغنياء } ، وبقوله { إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك } فقد صرح فيه بالتعليل ، ولا مانع من ذلك ، إذ هو على وجه التفضل . وقال صاحب التنقيح : اللام في اللغة تأتي للتعليل ، وتستعمل للملك ، وإذا أضيفت إلى الوصف تعينت للتعليل . وجعل الرازي في المحصول اللام من الصرائح . وقال في الرسالة البهائية عن الغزالي أنه قال في شفاء العليل إنها صريحة في التعليل ، وكذلك الباء والفاء ثم استشكل ذلك بأنه إما أن يكون المراد بالصريح ما لا يستعمل إلا في التعليل أو ما يكون استعماله في التعليل أظهر . فإن كان الأول فليست اللام صريحة في التعليل لأنها تستعمل في غيره كقوله : . . .

                                                      لدوا للموت

                                                      . . . وقول المصلي : أصلي لله . فإن كان الثاني فلا يبقى بين الصريح والإيماء فرق ، لأن الإيماء إنما يجوز التمسك به إذا كانت دلالته على العلية راجحة على دلالته على غير العلية ، وحينئذ فلا بد من الفرق بين ما يصير فيه اللفظ صريحا في العلة ، وعند عدمه يصير إيماء ، ولم يثبت ذلك .

                                                      الثاني - أن ( المفتوحة المخففة ) فإنها بمعنى " لأجل " ، والفعل المستقبل بعدها تعليل لما قبله ، نحو أن كان كذا ، ومنه : { أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا } فإنه مفعول لأجله ، قدره البصريون ; كراهة أن تقولوا والكوفيون : لئلا تقولوا ، أو : لأجل أن تقولوا . وكذلك قوله تعالى : { أن تقول نفس يا حسرتى } ، وقوله : { أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } . فالكوفيون في هذا كله يقدرون [ ص: 244 ] اللام ، أي : لئلا تضل ، و : لئلا تقول . والبصريون يقدرون المفعول محذوفا ، أي : كراهة أن تقولوا ، أو : حذرا أن تقولوا . فإن قيل : كيف يستقيم الطريقان في قوله : { أن تضل إحداهما } ؟ فإنك إن قدرت : " لئلا تضل إحداهما " لم يستقم عطف " فتذكر إحداهما " عليه ، وإن قدرت : " حذرا أن تضل إحداهما " لم يستقم العطف أيضا . وكذلك إن قدرت " إرادة أن تضل " . قيل : المقصود إذ كان إحداهما تنسى ، إذا نسيت أو ضلت ، فلما كان الضلال سببا للادكار جعل موضع العلة ، كما تقول : أعددت هذه الخشبة أن يميل الحيط فأدعمه بها ، فإنما أعددتها للدعم لا للميل . هذا قول سيبويه والبصريين ، وقدره الكوفيون في تذكير إحداهما الأخرى إن ضلت ، فلما تقدم الجزاء اتصل بما قبله فصحت ( أن ) .

                                                      الثالث - إن " المكسورة ساكنة النون " الشرطية . بناء على أن الشروط اللغوية أسباب ، فلا معنى لإنكار من أنكر عدها من ذلك . نعم ، التعليق من الموانع ، فيترتب على ما ترتب على الأسباب ، وعليه الخلاف من الشافعية والحنفية : هل الأسباب المعلقة بشرط انعقدت وتأخر ترتب حكمها إلى غاية ، أو لم تنعقد أسبابا ؟ لكن من جعل وجود المانع علة لانتفاء الحكم يصح على قوله إن الشرائط موانع ، وهي علل لانتفاء الحكم .

                                                      الرابع - إن : كقوله عليه الصلاة والسلام : { إنها من الطوافين عليكم } قال صاحب التنقيح : كذا عدوها من هذا القسم ، والحق أنها لتحقيق الفعل ، ولا حظ لها من التعليل ، والتعليل في الحديث مفهوم من سياق الكلام وتعينه فائدة للذكر . وكذلك أنكر كونها للتعليل الكمال بن الأنباري من نحاة المتأخرين ، ونقل إجماع النحاة على أنها لا ترد للتعليل قال : وهي في قوله : { إنها من [ ص: 245 ] الطوافين عليكم } للتأكيد ، لا لأن علة الطهارة هي الطواف ، ولو قدرنا مجيء قوله : ( هي من الطوافين ) بغير إن لأفاد التعليل ، فلو كانت " إن " للتعليل لعدمت العلة بعدمها ، ولا يمكن أن يكون التقدير " لأنها " وإلا لوجب فتحها ولا ستفيد التعليل من اللام . وتابعه جماعة من الحنابلة ، منهم الفخر إسماعيل البغدادي في كتابه المسمى ب جنة المناظر ، وأبو محمد يوسف بن الجوزي في كتابه الإيضاح في الجدل . ولكن ممن صرح بمجيئها للتعليل أبو الفتح بن جني . ونقل القاضي نجم الدين المقدسي في فصوله قولين للعلماء فيه ، وأن الأكثرين على إثباته . وليس مع النافي إلا عدم العلم ، وكفى بابن جني حجة في ذلك .

                                                      الخامس - الباء : قال ابن مالك : وضابطه أن يصلح غالبا في موضعها اللام ، كقوله تعالى : { ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله } ، وقوله : { فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم } ، { فكلا أخذنا بذنبه } ، وقوله عليه الصلاة والسلام : { لن يدخل أحدكم الجنة بعمله } ، وجعل منه الآمدي والهندي { جزاء بما كانوا يعملون } ونسبه بعضهم إلى المعتزلة وقال : إنما هي للمقابلة ، كقولهم : هذا بذلك ، لأن المعطي هو من قد يعطي مجانا ، وأما المسبب فلا يوجد بدون السبب . وتقدم في الحروف الفرق بين باء السببية وباء العلة و " إن " تشارك الباء في التعليل وتمتاز عنها بشيئين : أحدهما : أن ما يليها في حكم من رجع إليه فيما يتكلم فيه فقال موسعا كالجواب : لأنه كذا . والثاني : أن خبرها غير معلوم للمخاطب . أو منزل منزلة غير المعلوم لما لم يعمل بمقتضاه . وزعم الإمام فخر الدين أن دلالة الباء على التعليل مجاز من جهة أن ذات العلة لما اقتضت وجود المعلول دخل الإلصاق هناك ، فحسن استعمالها فيه مجازا . قال الهندي : وهذا يخالف ما ذكره غيره . ولما أشعر به كلامه [ ص: 246 ] هنا من أن دلالة اللام والباء قائمة على التعليل ظاهرة من غير فرق . ثم ذكر أنها في اللام حقيقة وقال الأصفهاني في نكته : الباء دون اللام في العلية ، لأن محامل اللام أقل من محامل الباء . واللام وإن جاءت للاختصاص فالتعليل لا يخلو عن الاختصاص فكانت دلالة اللام أخص بالعلة .

                                                      السادس - الفاء : إذا علق بها الحكم على الوصف ولا بد فيها من تأخرها وهي نوعان .

                                                      أحدهما : أن تدخل على السبب والعلة ، ويكون الحكم متقدما . كقوله عليه الصلاة والسلام في المحرم وقصته ناقته : { لا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا } .

                                                      والثاني : أن تدخل على الحكم وتكون العلة متقدمة ، كقوله تعالى : { الزانية والزاني فاجلدوا } { والسارق والسارقة فاقطعوا } . { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا } . . . فالفاء للجزاء ، والجزاء مستحق بالمذكور السابق ، وهو السرقة مثلا ، لأن التقدير : إن سرق فاقطعوه . ومن هذا القبيل قوله تعالى : { أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل } ظاهر الخطاب يدل على أن العلة من قيام الولي بالإملاء أن موليه لا يستطيعه ، فصار ذلك موجبا قيام الولي بكل ما عجز عنه موليه ضرورة طرد العلة . قال الإمام الرازي : ويشبه أن يكون هذا في الإشعار بالعلة أقوى من عكسه ، يعني : لقوة إشعار العلة بالمعلول ، لوجوب الطرد في العلل دون العكس ، ونازعه النقشواني . وهو ضربان :

                                                      أحدهما : أن يدخل على كلام الله ورسوله ، إما في الوصف ، كالحديث السابق ، أو في الحكم ، كالآيات السابقة . [ ص: 247 ] والثاني : أن يدخل في كلام الراوي ، كقوله : سها فسجد ، وزنى ماعز فرجم . وسواء في ذلك الراوي الفقيه وغيره ، لأن الظاهر أنه لو لم يفهم لم يعاقب .

                                                      قيل : والفاء إذا امتنع كونها للعطف تعين للسبب . والمانع للعطف أنها متى قدرت له الواو اختل الكلام ، كقوله عليه السلام : { من أحيا أرضا ميتة فهي له } لأنها لو كانت عاطفة بمعنى الواو لتضمنت الجملة معنى الشرط بلا جواب ، وهذا مبني على حصر الفاء للتعليل والعطف ، وهو ممنوع ، بل هي في هذه المواضع جواب ، أي رابطة بين الشرط وجوابه ، ولا يلزم من كون الأول شرطا كونه علة .

                                                      وقد جعل في المحصول - تبعا للغزالي - الباء والفاء من صرائح التعليل ، ثم خالف الرازي في رسالته البهائية ورد على الغزالي وقال : الباء قد تستعمل لغير التعليل ، ومنه : باسم الله ، والفاء للتعقيب لا للتعليل .

                                                      وقال ابن الأنباري من النحويين : الفاء إنما يكون فيها إيماء إلى العلة إذا كان المبتدأ اسما موصولا بجملة فعلية أو نكرة موصوفة :

                                                      فالاسم الموصول نحو : الذي يأتيني فله درهم وقوله تعالى : { الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم } فما بعد الفاء ، من حصول الأجر ، ونفي الخوف والحزن ، مستحق بما قبلها ، من الإنفاق على ذلك الوصف . ويجري مجرى " الذي " الألف واللام إذا وصلت باسم الفاعل ، كقوله تعالى : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } . . . ، و { الزانية والزاني فاجلدوا } . . . ، أي : لسرقتهما ولزناهما . فاستحقاق [ ص: 248 ] القطع والجلد إنما كان للسرقة والزنى لا لغيرهما ، ولولا الفاء جاز أن يكون لهما ولغيرهما .

                                                      والنكرة الموصوفة نحو : كل إنسان يفعل كذا فله درهم ، فيدل على استحقاق الدرهم بالفعل المتقدم ، فإذا لم تدخل لم يدل على ذلك ، وجاز أن يكون به وبغيره ، لأن في الكلام معنى الشرط ، إذا المعنى : إن يأتني رجل فله درهم .

                                                      والشرط سبب في الجزاء وعلة له ، ولهذا دخلت الفاء ، لأنها للتعقيب ، والمسبب في الرتبة عقب السبب ، فكان في دخولها إيماء إلى العلة ، وإذا حذفت لم يقتض اللفظ أن يكون الدرهم مستحقا بالفعل المتقدم ، بل به وبغيره لعدم الفاء المفيدة للتنبيه على العلة الموجبة للاستحقاق . وهنا أمران :

                                                      أحدهما : أن دخول فاء التعقيب على المعلوم واضح ، لوجوب تأخره عن العلة . وأما دخولها على العلة نحو ( فإنه يبعث ) فوجهه أن العلة الغائبة لها تقدم في الذهن وتأخر في الوجود ، كما تقول : أكل فشبع ، فالشبع متأخر في الوجود متقدم في الذهن .

                                                      وبهذا يجاب عن الاعتراض على القول باستفادة التعليل من الفاء بترتيب الوضوء على القيام إلى الصلاة ، ولو كانت للتعليل لزم أن يكون القيام إلى الصلاة علة الوضوء ، وذلك ممتنع ، بل علة وجوب الوضوء وجود الحدث . ولقد اعتاص الجواب على الغزالي حتى انتهى فيه إلى الإسهاب . وجوابه يعلم مما ذكرنا أن العلة تنقسم إلى ما يتقدم تصورها وإلى ما ينعدم تصورها . والصلاة بالنسبة إلى الوضوء لك أن تجعلها من الأول بأنها حكمة الوضوء ولها شرط يصح ترتيبه عليها بالفاء ، كما رتب بعث الشهيد المحرم على هيئته ، وأن تجعلها من الثاني فإنه قد أمكن جعل القيام إلى الصلاة مظنة وسببا ، ويكون الحدث [ ص: 249 ] شرطا من شرائط السبب أو من شرائط الحكم وإلحاق شرط بالوصف المومأ إليه لا يستكثر .

                                                      وقال بعضهم : الأولى أن تدخل الفاء على الأحكام ، لأنها مترتبة على العلل ، ولا تدخل على العلل لاستحالة تأخر العلة عن المعلول ، إلا أنها قد تدخل على العلل على خلاف الأصل بشرط أن يكون لها دوام ، لأنها إذا كانت دائمة كانت في حالة الدوام متراخية عن ابتداء الحكم ، فصح دخول الفاء عليها بهذا الاعتبار ، كما يقال لمن هو في حبس ظالم إذا ظهر آثار الفرج : أبشر فقد أتاك الغوث ، وقد نجوت .

                                                      الثاني : ما ذكر من أن الفاء للتعليل في آية السرقة من جهة أنه رتب القطع على السرقة بها ، فدل على أن السرقة هي السبب لا يأتي على مذهب سيبويه ، لأنه يرى أن قوله ; { فاقطعوا } جواب لما في الألف واللام من معنى الشرط ، إنما الكلام عنده على معنى ; فيما يتلى عليكم حكم السارق والسارقة ، فهذه ترجمة سيقت للتشوف إلى ما بعدها ، فلما كان في مضمون الترجمة منتظرا قيل : فاقطعوا أيديهما فالفاء إذن للاستئناف لا للجواب . وإنما حمل سيبويه على ذلك أن الفاء لو كانت جوابا لقوله : { والسارق } وكان الكلام مبتدأ أو خبرا لكانت القواعد تقتضي النصب في { السارق } لأن الأمر بالفعل أولى ، كقوله : زيدا اضربه . فلما رأى العامة مطبقة على الرفع تفطن ، لأنها لا تجمع على خلاف الأولى ، فاستدل بذلك على أنه خارج على معنى الاستئناف وذكر مثل قوله { والسارق والسارقة } كالترجمة والعنوان .

                                                      السابع - لعل : على رأي الكوفيين من النحاة ، وقالوا : إنها في كلام الله تعالى للتعليل المحض مجردة عن معنى الترجي لاستحالته عليه ، فإنه إنما يكون فيما تجهل عاقبته . كقوله تعالى : { اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون } قيل : هو تعليل [ ص: 250 ] لقوله ( اعبدوا ) ، وقيل : لقوله ( خلقكم ) ، وقيل : لهما . وقوله : { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } ، { لعله يتذكر أو يخشى } ف " لعل " في هذا اختصت للتعليل والرجاء الذي فيهما متعلق المخاطبين .

                                                      الثامن - إذ : ذكر ابن مالك ، نحو { وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف } ، { وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم } { ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم } . . . وقد أشار إليه سيبويه ، ونازعه أبو حيان .

                                                      التاسع - حتى : أثبته ابن مالك أيضا . قال : وعلامتها أن يحسن في موضعها ( كي ) ، نحو : خذ حتى تعطي الجود . ومن مثلها قوله تعالى : { ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم } وقوله : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } ، ويحتملها { حتى تفيء } . . . . وزعم صاحب التنقيح أن منها ( لا جرم ) بعد الوصف ، كقوله تعالى : { لا جرم أن لهم النار } وجميع أدوات الشرط والجزاء كقوله تعالى : { وإن كنتم جنبا فاطهروا } ، { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } ، { . من أحيا أرضا ميتة فهي له } . وكذا حرف ( إذا ) فإن فيها معنى الشرطية ، كقوله تعالى : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا } وجعل الآمدي منها ( من ) أيضا .

                                                      تنبيه : هذه الألفاظ كما تختلف مراتبها في أنفسها في الدلالة على التعليل كذلك تختلف بحسب وقوعها في كلام القائلين ، فهي في كلام الشارع أقوى منها في كلام الراوي ، وفي كلام الراوي الفقيه أقوى منها في غير الفقيه ، [ ص: 251 ] مع صحة الاحتجاج بها في الكل ، خلافا لمن توهم أنه لا يحتج بها إلا في كلام الراوي الفقيه ، وهذا بحث توهمه بعض المتأخرين ، وليس قولا . وزعم الآمدي أن الوارد في كلام الله أقوى من الوارد في كلام النبي صلى الله عليه وسلم . والحق تساويهما ، وبه صرحالهندي ، لعدم احتمال تطرق الخطأ إليهما .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية