الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      الثالث : لو ظفرنا في الوصف بمناسبة تعين لحاظها ، وجاز للناظر الزيادة عليها ، والنقص :

                                                      فالأول : كقوله صلى الله عليه وسلم : { لا يقضي القاضي وهو غضبان } فإنه فهم أن المنع لعلة تشويش الفكر فألحق به الجوع والعطش وغيرهما من المعاني الموجبة لاختلاف الفكر .

                                                      والثاني : كالنهي عن بيع ما لم يقبض ، فإنه إضافة المنع إلى عدم القبض ليست لصورته . واضطرب أصحابنا في معناه ، فقيل : لتوالي الضمانين ، فيخرج منه البيع من البائع . وقيل : لضعف الملك فلا يخرج ، لكن يخرج منه الاستبدال عن بدل الثلاثمائة بمائة جائز وإن كان قبل القبض . وقال أبو حنيفة : هو لتضمنه غررا من حيث يتوقع انقلاب الملك إلى البائع الأول بالتلف قبل القبض تبين بالآخرة أن البائع الثاني باع ملك الغير فيكون غررا ، فيخرج منه بيع العقار فإن تلفه غير متصور على ما عرف من أصولهم .

                                                      وأيضا كقوله عليه السلام : { أيما إهاب دبغ فقد طهر } فإنه ينبه على [ ص: 261 ] كون الدباغ يطهر الجلد مطلقا . وخرج به عندنا جلد الكلب ، وكان المعنى منه أنا وجدنا المناسبة خاصة بجلد ما كان طاهرا قبل الممات ، لأن تأثير الدباغ في رد الجلد إلى ما كان عليه فيعود طاهرا ، وهو مفقود في حق الكلب . وقضى أبو حنيفة بطهارته بالدباغ لأنه يقول بطهارته حال الحياة .

                                                      فإن قيل : إدارة الحكم على المناسبة في الوصف المومأ إليه حتى سار القول بالزيادة والنقصان يناقض أصلكم في منع إرث كل قاتل ، بناء على ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم : { القاتل لا يرث } مع أن المناسبة خاصة ، وهي المعارضة له بنقيض قصده في استعجال الميراث ، فيخرج القتل المباح والواجب ، وأنتم لا تقولون به .

                                                      قلنا : المناسبة خاصة - كما ذكرتم - لكنها معارضة بقول من منع القاتل مطلقا أن الإرث اضطراري ، ولو حصل بالقتل لكان كسبيا ، وذلك ممتنع . ومنهم من يقول : القتل يمنع الموالاة فيمنع الإرث كالرق والكفر . وإذا تعارضت المناسبات تساقطن ولم يعمل بإحداها ، ورجع إلى عموم الحديث مع قطع النظر عن المناسبات . على أن أصل الزيادة والنقص وإن ذكره الغزالي في الشفاء " فقد خالفه غيره . ويشكل ما سماه زيادة ، في مسألة القاضي ، من قياس التمثيل ، وما سماه نقصانا عن عموم الخبر فهو بناء على معارض أما لعدم المناسبة فلا .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية