الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 101 ] [ الركن الثاني ] : حكم الأصل

                                                      وقد مر تعريف الحكم في أول الكتاب : وقال ابن السمعاني ، تبعا للشيخ في " اللمع " : الحكم ما تعلق بالعلة في التحليل والتحريم والإسقاط ، وهو إما مصرح به كقوله : فجاز أن يجب كذا ، أو فوجب أن يجوز كذا ، أو مبهم . وهو على ثلاثة أضرب .

                                                      أحدهما : أن يقول : فأشبه كذا ، مثل أن يقول : شراب فيه شدة مطربة فأشبه الخمر . واختلفوا فيه ، فقيل بالمنع ، لأنه حكم مبهم ، والأصح عند الجدليين الصحة ، لأن المراد به فأشبه كذا في الحكم الذي وقع السؤال عنه ، وذلك شيء معلوم بين السائل والمسئول فيجب أن يمسك عن بيانه اكتفاء بالمعلوم الموجود بينهما .

                                                      الثاني : أن تذكر العلة ولا يصرح بالحكم الذي سأل عنه ، بل يعلق على العلة التسوية بين حكمين ، كقولنا في إيجاب النية في الوضوء : طهارة فيستوي جامدها ومائعها في النية كإزالة النجاسة ، فمن أصحابنا من قال : لا يصح ، لأنه يريد التسوية بينهما في الأصل في إسقاط النية ، وفي الفروع في إيجابها ، وهما حكمان متضادان ، والقياس أن يشبه حكم الشيء من نظيره لا من ضده ، ومنهم من قال : إنه صحيح ، وهو الأصح ، لأن حكم العلة هو التسوية بين المائع والجامد في النية والتسوية بينهما في النية موجود في الأصل فصح القياس عليه ، وإنما يظهر ذلك الاختلاف في التفصيل وليس ذلك بحكم عليه حتى يصير فيه الاختلاف . وحكى شارح " اللمع " عن بعض المتأخرين منا الوجهين هنا على الوجهين الأولين . [ ص: 102 ] وقال أبو الحسن السهيلي في " أدب الجدل " : اختلفوا في القياس إذا كان حكمه التسوية بين حكم وحكم ، كقول الشافعي في إزالة النجاسة بالمائع : إنه مائع فوجب أن يستوي فيه الطهارة عن الحدث وإزالة النجاسة ، قياسا على الماء والزعفران والبول والمرقة وغير ذلك ، فقيل : إنه فاسد ، لأن حكمه مجهول لا يوقف عليه ، وقيل : إن كانت التسوية بينهما في الإثبات أو النفي ، سواء الأصل والفرع فهو قياس صحيح ، وإن كانت التسوية بينهما في الأصل أو الفرع في الإثبات ، أو في الفرع في النفي وفي الأصل في الإثبات لا يجوز ، لأننا في الأولى نقيس الشيء على نظيره ومثله ، وفي الثانية نقيسه على ضده ونقيضه فامتنع . وقيل : إن ابتدأ المسئول بهذه العلة جاز ، وإن قلبها على خصمه بمثلها لم يجز . وقيل : يجوز مطلقا ، وهو الأصح ، ثم اختلف القائلون به في أنه إذا قابل قياسا لم يكن حكمه التسوية بين حكم وحكم ، فقيل : القياس الذي لم يكن حكمه التسوية أولى ، لأنه مصرح بالحكم ويتوصل به إلى إثبات الحكم من غير درجة أخرى فيخالف قياس التسوية . وقيل : قياس التسوية أولى لأن فيه التشبيه أكثر . قال : وقد ذكر هذه الطريقة الشيخ الإمام سهل الصعلوكي في بعض المناظرات . والأول أظهر انتهى .

                                                      الثالث من الأضرب : أن يكون حكم العلة إثبات التأثير بمعنى ، كقولنا في كراهة السواك للصائم بعد الزوال : خلافا لأبي حنيفة ، لأنه تطهير يتعلق بالفم من غير نجاسة ، فوجب أن يكون للصوم فيه تأثير كالمضمضة ، فإن هذا حكم صحيح ، والقصد بالعلة إثبات حكم التأثير على الجملة .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية