الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 328 ] الاعتراضات

                                                      اعلم أن كل ما يورده المعترض على كلام المستدل يسمى ( اعتراضا ) لأنه اعترض لكلامه ومنعه من الجريان . قال صاحب " خلاصة المآخذ " : الاعتراض عبارة عن معنى لازمه ، [ هدم ] قاعدة المستدل ، وهو جامع مانع . ثم حصره في عشرة أنواع : وقال : ما عداه داخل فيه : فساد الوضع ، فساد الاعتبار ، عدم التأثير ، القول بالموجب ، النقض ، القلب ، المنع ، التقسيم ، المطالبة ، المعارضة . قال : والكل مختلف فيه إلا المنع والمطالبة ، مع أن فيه خلافا شاذا ، وخالف في المنع غير واحد من الأئمة ، وهو الشيخ أبو إسحاق العنبري ، على حسب ما سمعته من القاضي الإمام فخر الدين أحمد الخطابي . انتهى .

                                                      وتنقسم في الأصل إلى ثلاثة أقسام : مطالبات ، وقوادح ، ومعارضة ، لأنه إما أن يتضمن تسليم مقدمات الدليل أو لا ، والأول : المعارضة ، والثاني : إما أن يكون جوابه ذلك الدليل أو لا ، والأول المطالبة ، والثاني القادح .

                                                      وقد أطنب الجدليون فيها ، لاعتمادهم إياها . ومنهم من أنهاها إلى الثلاثين ، وغالبها يتداخل . وأعرض الغزالي وغيره عن ذكرها في أصول الفقه وزعم أنها كالعلاوة عليه ، وأن موضع ذكرها علم الجدل . وذكرها جمهور الأصوليين لأنها من مكملات القياس الذي هو من أصول الفقه ، ومكمل الشيء من ذلك الشيء ، ولهذه الشبهة أكثر قوم من ذكر المنطق والعربية والأحكام الكلامية ، لأنها من مواده ومكملاته .

                                                      [ ص: 329 ] واعلم أنه ليس المراد من ورودها على القياس أنها ترد على كل قياس ، لأن من الأقيسة ما لا يرد عليه بعضها ، كالقياس مع عدم النص والإجماع ، لا يتجه عليه فساد الاعتبار إلا من ظاهري ونحوه ممن ينكر القياس ، واللفظ البين لا يرد عليه الاستفسار ، وعلى هذا يمكن تخلف كل واحد من الأسئلة على البدل عن بعض الأقيسة . وإنما المراد أن المسألة الواردة على القياس لا تخرج عن هذه الطرق . ونظير هذا قول أهل التصريف : إن حروف الزيادة هي سألتمونيها ، على معنى أن الحروف الزائدة على أصول مواد الكلمة لا تزيد على هذه ، لا أن هذه الحروف حيث وقعت كانت زائدة ، لأن كثيرا منها وقع أصولا ، فاعرفه

                                                      وما ذكرناه من انقسامها إلى ثلاثة أقسام ، ذكره المتقدمون ، وقال المتأخرون : ترجع إلى اثنين : المنع ، والمعارضة ، لأنه متى حصل الجواب عن المنع والمعارضة تم الدليل ولم يبق للمعترض مجال .

                                                      فإن قيل : القول برجوعها إلى المنع والمعارضة ممنوع ، لأن المعارضة من جملة الاعتراضات ، فيؤدي إلى انقسام الشيء إلى نفسه وإلى غيره ، وإلى أن الشيء يكون داخلا تحت نفسه ضرورة لزوم اندراج المعارضة تحت المعارضة . قلنا : إذا كان المنقسم إلى هذه الأقسام هو مطلق المعارضة ومطلق المنع لا يلزم ذلك ، لأن الأعم لا يستلزم الأخص .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية