الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      وفصل بعضهم فقال : الحكم الثابت في الأصل إما أن يكون قطعيا أو ظنيا فالقطعي يجوز إلحاق الغير به والظني يكون الفرع منه مترددا بين أصلين :

                                                      أصل يوجب إثبات الحكم فيه ، وآخر ينفيه لمشابهته للمسمى وغيره فيجب على المجتهد الترجيح بدليل . والكلام في هذا يستدعي تعريف ما عدل عن سنن القياس من غيره . وقد بين إلكيا ذلك بأقسام .

                                                      أحدها : أن يكون ذلك الشيء قاعدة متأصلة في نفسها مختصة بأحكام غيرها ، فلا يقال لهذا المعنى إنه مخالف لأنه ليس أصل أولى به ، كقولهم : النكاح عقد على المنفعة يصح مع جهالة المدة ، فصحته مع جهالة المدة على خلاف القياس ، فإن ما في النكاح من المقصود لا يتأتى إلا بإبهام المدة [ ص: 122 ] كالتناسل ، فالإبهام فيه كالإعلام . ومنه قولهم : السلم خارج عن القياس لأنه معاملة موجود بمعدوم ، وكذا الإجارة . فإنا لم نجوز المعاملة بموجود لمعدوم لغرر متوقع ، وإلا فالعقل لم يمنع منه إذا وجد الرضا ، ولكن الاغترار مما يجر ندما وضررا ، فإذا ظهر لنا في السلم أن الحالة الداعية إلى تجويزه هي الغرر المقرون بالعقد لم يكن له من الوزن ما يخالف أنه مخالف القياس ، فإن القياس الأصلي هو الرضا ويعتد به الشارع للمصالح الجزئية وحيث لا مصلحة في نفي الغرر رد إلى الأصل ، والأصل الرضا ، فغلبنا مصلحة على أخرى .

                                                      الثاني : أن يكون الحكم الثابت فيه مما لا يمكن أن يتلقى من أصل آخر ولا يظهر لنا أنه أولى بالاعتبار من الأصل المنتقل عنه ، وبه يتميز هذا القسم مما قبله . ونظيره أن الوالد لا يقتل بولده مع الجريمة الظاهرة ، ولكن الشرع غلب حرمة الأبوة فقال : لا يقتل به ، فهذا لا يظهر لنا وجه تغليبه . بخلاف السلم فإنه يظهر لنا من قياس الأصول تغليب حاجة المسلم ، فهذا وما أشبهه معدول به عن القياس الجلي لمعنى خفي .

                                                      ومنه : الدية على العاقلة فإنها أثبتت على خلاف قياس المضمونات ، وكل قياس يتضمن إبطال هذا الاختصاص مردود ، وكل قياس يتضمن تقريبا مقبول ، فهو على اعتبار ما دون الموضحة بمقدار الموضحة ، وتحمل العاقلة . أثبت باعتبار الجزئية حتى يهتدي البدل وتتعاون على أدائه ، والقليل والكثير في هذا سواء واختلف قول الشافعي في بدل العبد واختلف قوله في إخراج الصيد من قيمته وهل هو كخراج الحر من ديته ، ولكن ذلك على مخالفة القياس من وجه اعتبار قياس الغرامات ، ويجوز إجراء القياس فيه على شرط التزام التقريب بحيث لا يلتزم إبطال التخصيص أو تصرفا في غيب والتقريب الخاص أولى من المعنى الكلي المخيل ، فهذا هو العدول به عن القياس ، فإذا لم يمتنع ذلك فهاهنا أولى . [ ص: 123 ]

                                                      الثالث : إذا كان أصله لا يتعلق بمصلحة كلية ولا جزئية ظاهرة لنا ، كما قاله الشافعي في العرايا إنه مخالف لقياس الربا وفي العرايا مصلحة ظاهرة ولا يتخيل ذلك في الربا ، ولكنه على وجهين :

                                                      أحدهما : أن يقال في الربا : وإن لم نطلع على مصلحة خفية كما اطلعنا عليها في ربا النساء ، ولكنا نعلم أن الرب تعالى إنما حرمه لأن التوسع فيه يجر إلى ربا النساء ، ولا شك أن العرايا مخالفة لهذا .

                                                      والثاني : أن معنى قولنا : العرايا مخالفة لقياس الربا أنها على مخالفة المعهود من قياس الربا وإن لم يكن معنى المصلحة معهودا لنا ، وإذا ساغ - دون فهم المعنى - إلحاق ما عدا المنصوص به ساغ تقدير مخالفة القياس حيث امتنع الاعتبار والتقريب منه ، وأما قول الشافعي : إن الأجل والخيار على مخالفة الأصل ، مع أن الأصل اتباع التراضي وهو القياس الأصلي ، فإنه لا قوام للعالم إلا به ، وتجويز الخيار من تفاصيل أصل الرضا ، فصح أنه على خلاف القياس ، لكنه خلاف قياس هو أولى به ، وهذا تأويل حسن . وأقول : هو ينقسم باعتبارات :

                                                      أحدها : أن يرد ابتداء غير مقتطع من أصل ، ولا يعقل معناه ، فلا يقاس عليه لتعذر العلة . قال الغزالي : ويسمى هذا خارجا عن القياس تجوزا ، ومعناه أنه ليس منقاسا ، لأنه لم يدخل في القياس حتى يخرج منه . ومثاله المقدرات وأعداد الركعات ونصب الزكوات ومقادير الحدود والكفارات . أما أصل الحدود والكفارات فيجوز القياس عليها كما سبق .

                                                      الثاني : ما شرع مبتدأ غير مقتطع من أصل وهو معقول لكنه عديم النظير فلا يقاس عليه لتعذر الفرع الذي هو من أركان القياس . قال الهندي : وتسميته هذا بالخارج عن القياس بعيدة جدا . قلت : فيه التأويل في الذي قبله . ومثاله تغليظ الأيمان والقسامة فلا يقاس عليها وجود البهيمة في المحلة مقتولة ، وكذا جنينها لا يضمن ، بخلاف جنين الآدمي ، لأن الثابت في جنين الآدمي على خلاف قياس الأصول . [ ص: 124 ] ومنه : رخص السفر والمسح على الخفين والمضطر في أكل الميتة ، ومن الفقهاء من جوز الجمع بالمرض قياسا على السفر ، وعند الغزالي من هذا ضرب الدية على العاقلة ، وخالف إمامه فإنه جعله مما عقل معناه ، وتعلق الأرش برقبة العبد ، وقال الشافعي في كونه لم يقس الأرش على الدية في العقل : ولا أقيس على الدية غيرها ، لأن الأصل أن الجاني أولى أن يغرم جنايته من غيره ، كما يغرمها عن الخطأ في الجراح ، وقد أوجب الله عز وجل على القاتل خطأ دية ورقبة ، فزعمت أن الرقبة في ماله لأنها من جنايته ، وأخرجت الدية عن هذا المعنى اتباعا انتهى .

                                                      الثالث : ما استثني من قاعدة عامة وثبت اختصاص المستثنى بحكمه ، فلا يقاس عليه ، لأنه قد فهم من الشرع الاختصاص بالمحل المستثنى ، وفي القياس إبطال الاختصاص به ، سواء لم يعقل معناه كاختصاص خزيمة بقبول شهادته وحده أو عقل كاختصاص أبي بردة بالتضحية بعناق نظرا لفقره ، فلا يلتحق به غيره لأجل صريح المنع من الشارع : { ولن تجزئ عن أحد بعدك } ثم تارة يعلم الاختصاص بالتنصيص ، وتارة بغيره ، كقبول الواحد في هلال رمضان فلا يلتحق به ذو الحجة على الأصح ، وكاشتراط أربعة في الزنى والثلاثة في الشهادة بالإعسار على وجه ، لأجل الحديث .

                                                      وقال إلكيا : التخصيص ثلاثة أضرب : تخصيص عين ، أو مكان أو حال . فالعين كقوله تعالى : { خالصة لك } والمكان [ ص: 125 ] كقوله صلى الله عليه وسلم : { أحلت لي ساعة من نهار } والحال كالميتة للمضطر .

                                                      الرابع : ما استثني من قاعدة عامة لكن المستثنى معقول المعنى ، كبيع الرطب بالتمر في العرايا ، فإنه على خلاف قاعدة الربا عندنا واقتطع عنها بحاجة المحاويج وقاس جمهور أصحابنا العنب على الرطب ، لأنه في معناه . وهذا القسم هو موضع الخلاف ويشبه أن يخرج فيه قولان لاختلاف قوله فيما لا نفس له سائلة هل ينجس ؟ إنما الدليل والقياس التنجيس ، والأصح عدمه قياسا على ما ورد به النقل في الذباب الخارج عن القاعدة الممهدة . ومنه : أن الإتمام أصل والقصر رخصة ، ثم إنه ورد أنه أقام بمكة سبع عشرة أو ثماني عشرة ، فهل يقتصر على هذه المدة أم يجوز زائدا ؟ فيه قولان مدركهما هذا . ومنه : أن تحرم الزيادة على أربع زوجات ثم إنه تزوج تسعا ، فهل ينحصر فيهن أو كان يجوز له الزيادة عليها ؟ فيه خلاف ، لكن الأرجح الجواز هنا ، وفي تلك المنع وقد اختلف الأصوليون فيها على مذاهب :

                                                      أحدها : وإليه ذهب الجمهور منا ومن الحنفية منهم أبو زيد الدبوسي ، إلى جواز القياس عليه مطلقا يعني إذا عرفت علته ونسبه القاضي عبد الوهاب في التلخيص لكثير من أصحابنا قال : وبه قال القاضي إسماعيل ، لكن المجوز من الحنفية لا يسميه - والحالة هذه - معدولا به عن القياس .

                                                      والثاني : المنع مطلقا ونقل عن بعض الحنفية ، ونسبه القاضي عبد الوهاب في " الملخص " للجمهور وقال : إنه مذهب أكثر أصحابهم .

                                                      والثالث : إن ثبت المستثنى بدليل قطعي جاز القياس عليه وإلا فلا ، وهو قول محمد بن شجاع البلخي منهم كما نقله القاضي في " الملخص " [ ص: 126 ] وابن السمعاني في " القواطع " وعبد العزيز في " الكشف " وصاحب " الكبريت الأحمر " وقال : إنه الأصوب .

                                                      والرابع : وهو قول الكرخي : إنه لا يجوز القياس عليه إلا بأن تكون العلة منصوصة وأجمع على تعليله أو وافق بعض الأصول ، كخبر التحالف عند اختلاف المتبايعين في قدر الثمن إذا لم يكن لواحد منهما بينة ، فإنه وإن كان مخالفا لقياس الأصول - إذ قياس الأصول يقتضي أن القول للمنكر ، لأن الأصل عدم اشتغال ذمته فيما يدعيه البائع من القدر الزائد - لكن ثم قول آخر يوافقه وهو أن المشتري يملك البيع عليه ، فالقول قول من ملك عليه أصله ، كالشفيع مع المشتري إذا اختلفا في قدر الثمن ، فإن القول قول المشتري لأن الشفيع يملك عليه الشقص ، فكذلك يتأتى التحالف على الاختلاف في ثمن المبيع ، ما عدا المبيع من عقود المعاوضات كالسلم والإجارة والمساقاة والقراض والجعالة والصلح على الدم والخلع والصداق والكتابة .

                                                      والخامس : وهو رأي الإمام فخر الدين أن المستثنى إن كان دليله مقطوعا به فهو أصل بنفسه لأن مرادنا بالأصل في هذا الموضع هو إمكان القياس علة كالقياس على غيره فوجب أن يرجح المجتهدون القياس ، مؤكده أنه إذا لم يمنع العموم من قياس يخصه فأولى أن لا يكون القياس على العموم مانعا من قياس يخالفه ، لأن العموم أولى من القياس على العموم وقد سبقه إلى هذا الاختيار ابن السمعاني ( قال ) وإن كان غير مقطوع فإما أن يكون علة حكمه منصوصة أو لا ، فإن لم يكن ، ولا كان القياس عليه أقوى من القياس على الأصول ، فلا شبهة في أن القياس على الأصول أولى من القياس [ ص: 127 ] عليه ، لأن القياس على ما طريق حكمه معلوم أولى من القياس على ما طريق حكمه غير معلوم . وإن كانت منصوصة فالأقرب أنه يستوي القياسان ، لأن القياس يختص بأن طريق حكمه معلوم وإن كان طريق علته غير معلوم ، وهذا القياس طريق حكمه مظنون ، وطريق علته معلوم ، وكل واحد منهما قد اختص بحظ من القوة . هذا كلامه في " المحصول " واختار جماعة من أتباعه منهم البيضاوي في " المنهج " : والحق أنه يطلب الترجيح بينه وبين غيره ، اعترضه الهندي فقال : فيه نظر :

                                                      أما ( أولا ) فلأنه إن عني بقوله : إن مرادنا بالأصل في هذا الموضوع هو اصطلاح نفسه فلا مناقشة ، لأن الخصم يمنع أن يكون مثل هذا الأصل يقاس عليه ، ويمنع أن القياس عليه كالقياس على غيره ، فإن كل هذا مصادرة على المطلوب . وبهذا يظهر أن قوله : " مؤكدة " ليس على ظاهره لأن ما سبقه ليس دليلا حتى يكون تأكيدا له ، ودعواه " إن العموم إذا لم يمنع من قياس يخصه فأولى أن لا يكون القياس على العموم مانعا من قياس يخالفه ، لأن المفهوم أقوى من القياس على العموم " ممنوع ، لأن عموم القياس أقوى من العموم ، لأنه غير قابل للتخصيص ، بناء على عدم جواز تخصيص العلة . بخلاف العموم فإنه قابل للتخصيص بالاتفاق . وإن عني به اصطلاح المختلفين في هذه المسألة فممنوع لأن القياس ما يقاس ، فمن منع القياس على المعدول عن سنن القياس سواء أثبت بدليل مقطوع به أو غير مقطوع كيف يكون هذا أصلا عنده ؟

                                                      وأما ( ثانيا ) فدعواه التساوي فيما إذا كانت علته منصوصة إن أراد [ ص: 128 ] به ثبوت النص بدليل قطعي فتستحيل المسألة ، لأن كون دليل الحكم ظنيا مع أن النص الدال على علته قطعي محال ضرورة أنه مهما علم النص الدال على علة الحكم كان الحكم معلوما قطعا فدليله قطعي لا محالة . وإن أراد أنه أعم من ذلك أي سواء ثبت بطريق قطعي أو ظني بطل قوله آخرا : " وهذا القياس طريق حكمه مظنون وطريق علته معلوم " .

                                                      ( قال ) : والأولى أن يقال في الضابط : ما ثبت على خلاف الأصول وعقل معناه ووجد في غيره جاز القياس عليه ما لم يظهر من الشارع قصد تخصيص الحكم بذلك المحل وما لم يترجح قياس الأصول عليه ، فإن رجح بما يترجح به بعض الأقيسة على بعض لم يجز القياس عليه لحصول المعارض الراجح ، لا لأنه لم يصلح أن يقاس عليه . وحكى الغزالي في " المنخول " الخلاف على وجه آخر فقال : إذا وردت قاعدة خارجة عن قياس القواعد كالإجارة والكتابة ، قيل : لا يقاس على أصلها ولا فرعها ، وقيل : يقاس في فروعها ولا يقاس عليه أصل آخر ( قال ) : والمختار أن إطلاق الأمرين مستقيم ، فإن القواعد وإن تباينت في خواصها فقد تلتقي في أمور جملية ، لملاحظة الشرع البيع والإجارة في كونه معاوضة .

                                                      وقال ابن القطان : ذهب بعض أصحابنا إلى أن المخصوص لا يجوز أن يقاس عليه ، وزعموا أن الشافعي يأبى ذلك في المسح على الخفين في الحضر لعذر ، ومنهم من أوله وقال : المخصوص على ضربين : مخصوص بالمعنى ، ومخصوص بالذكر . والأول يجوز القياس عليه بخلاف الثاني ، والشافعي إنما أطلق ذلك ; لأنه أراد " إذا لم أجد علة الحكم فلم أقس عليه غيرها " .

                                                      وقال بعض الحنفية : لا يقيس على المخصوص وما يرد من الأخبار على غير قياس الأصول ، وشبهوه بما قلنا في مس الذكر أنا لا نقيس عليه غيره . [ ص: 129 ] وهو خطأ ، لأنهم لا يجوزون ورود الأخبار بشيء تخالفه الأصول ، لأنها أصول في أنفسها فقياس عليها حيث وجدت العلة ، لأنها موجبة للحكم .

                                                      وقال إلكيا : المخصوص بالذكر قد يقع القياس عليه وأكثر القياس كذلك ، والمخصوص بالمعنى لا يقاس عليه لأنه اختص بمعناه فلم يوجد في غيره فلا يقاس عليه لعدم الجامع . ثم قسمه إلى ما سبق .

                                                      وقال الأستاذ أبو منصور : قال أصحابنا : المخصوص بالمعنى لا يقاس عليه . لأن المعنى الذي لأجله خص الحكم مفقود في غير ما ورد الحكم فيه ، بخلاف المخصوص بالاسم فقط قال الأستاذ : جملة ما يمتنع القياس في الأصول خمسة أنواع :

                                                      أحدها : تخصيص غيره بالذكر وإفراده بالحكم خصوصا ، كقوله تعالى : { خالصة لك من دون المؤمنين } وذلك في النكاح بلفظ الهبة أو بلا مهر أصلا . وكذلك قوله عليه السلام لأبي بردة : { ولن تجزئ عن أحد بعدك } .

                                                      الثاني : تخصيص مكان بحكم مخصوص كقوله في مكة : { أحلت لي ساعة من نهار ، ولا تحل لأحد قبلي ولا لأحد بعدي } .

                                                      والثالث : تخصيص حال من أحوال الإنسان كتخصيص حال الضرورة بإباحة الميتة :

                                                      الرابع : وقوع التغليظ في جنس من الأحكام في بعض المواضع تخصيصا به وحده ، كتغليظ الأيمان في القسامة لا يقاس عليها التهمة في قتل البهيمة .

                                                      الخامس : الرخص كالمسح على الخفين لا يقاس عليه المسح على البرقع والقفازين ، وكالاستنجاء لا يقاس عليه أثر النجاسة على الثوب فهذه الخمسة لا يجوز عليها القياس عندنا قال : وأما في المخصوص من العام ، فإن كان المعنى يوجد في غيره جاز القياس عليه ، كالأمة في تنصيف حدها قيس عليها العبد بعلة الرق . وإن لم يكن ثم معنى لم يجز كإيجاب الغرة في الجنين ، لا يقاس عليه الملفوف . [ ص: 130 ] قال : وهذا تفصيل أصحابنا في القياس المخصوص . وقال أصحاب الرأي : إن المخصوص بالأثر من جملة قياس الأصول لا يقاس عليه إلا أن يكون الأثر معللا ، فيقاس عليه بتلك العلة ، أو يتفق القائلون بالقياس على جواز القياس عليه ، فيقاس عليه نظائره وإن خالف قياس الأصول كقولهم في الوضوء من القهقهة في الصلاة : إن قياس الأصول أن ما كان حدثا في الصلاة كان حدثا في غيرها إلا أن القياس في ذلك متروك بالخبر لم يجز أن يقاس عليها القهقهة في صلاة الجنازة وفي سجود التلاوة ، لأن الأمر الذي خصهما من جملة القياس إنما ورد في صلاة لها ركوع وسجود .

                                                      وقال صاحب " البيان " في كتاب الحج : المنصوص ثلاثة أضرب : أحدها : ما لا يعقل معناه فلا يجوز القياس عليه ، كعدد الركعات وأركانها ، وكذلك لم يقس عليها وجوب صلاة سادسة ، والثاني : ما عقل معناه ولم يوجد ذلك المعنى في غيره كالمسح على الخفين ; لأن معناه الحاجة إلى لبسه ، والمشقة في نزعه وهذا لا يوجد في العمامة والقفازين ، وكذلك المتحلل من الإحرام لأجل الإحصار بالعدو عقل معناه وهو التخلف من العدو ، وهذا لا يوجد في المرض ، وكذلك تحريم الربا في النقدين عقل معناه وهو قيمة الأشياء ولم يوجد في غيرها ، فلم يقس عليها الحديد والرصاص . والثالث : ما عقل ووجد ذلك المعنى في غيره فيجوز القياس عليه كتحريم الربا في النسيئة . تنبيه ينبغي أن يعد من الشروط أن لا يكون حكم الأصل فيه تغليظا لكن كلام أصحابنا يخالف هذا فإنهم ألحقوا عرق الكلب وروثه وجميع أجزائه بسؤره وجعلوه كإلحاق الأمة بالعبد ، ولنا وجه أنه لا يلحق ومأخذه ما ذكرنا .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية