الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      العاشر : فساد الوضع

                                                      بأن لا يكون الدليل على الهيئة الصالحة لاعتباره في ترتيب الحكم ، كترتيب الحكم من وضع يقتضي ضده ، كالضيق من التوسع ، والتخفيف من التغليظ ، والإثبات من النفي ، كقولهم في النكاح بلفظ الهبة : لفظ ينعقد به غير النكاح ولا ينعقد به النكاح كلفظ الإجارة ، فإن كونه ينعقد به غير مناسب أن ينعقد هو به ، لا عدم الانعقاد

                                                      وكل فاسد الوضع فاسد الاعتبار ، ولا ينعكس . ومنهم من جعلهما [ ص: 400 ] واحدا ، وهي طريقة الشيخ أبي إسحاق الشيرازي . وقال ابن برهان : هما سيان من حيث المعنى لكن الفقهاء فرقوا بينهما وقالوا : فساد الوضع هو أن يعلق على العلة ضد ما يقتضيه . وفساد الاعتبار هو أن يعلق على العلة خلاف ما يقتضيه . ( انتهى ) . وقيل : فساد الوضع هو إظهار كون الوصف ملائما لنقيض الحكم بالإجماع مع اتحاد الجهة . ومنه الاحتراز عن تعدد الجهات لتنزلها منزلة تعدد الأوصاف ، وعن ترك حكم العلة بمجرد ملاءمة الوصف للنقيض دون دلالة الدليل ، إذ هو عند فرض اتحاد الجهة خروج عن فساد الوضع إلى القدح في المناسبة . وربما عبر عنه القاضي بتعليق ضد المقتضي . وقال إلكيا : هو تقدم العلة على ما يجب تأخرها عنه ، كالجمع في محل فرق الشرع ، أو على العكس .

                                                      كما يقال للحنفية : جمعتم في محل فرق الشرع ، إذ قستم النفقة على السكنى في وجوبها للمبتوتة مع قوله تعالى : { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم } مطلقا ، وقوله : { وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } ففرق وجمعتم .

                                                      وقد عد القاضي هذا الاعتراض من القطعيات . وقال أبو زيد : هو يجري من الشهادة مجرى فساد الأداء . قال ابن السمعاني : ويمكن إيراده على الطرود ، ويضطر به المعلل إلى إظهار التأثير وإذا ظهر التأثير بطل السؤال وهذا طريق سلكه كثير من أصحابنا المتقدمين ، وأورده كثير من الأصوليين . ويرد عنده اختلاف موضوع الأصل والفرع ، وذلك مثل أن يكون الأصل مبنيا على التخفيف ، كالتيمم والمسح على الخف ، ويكون الفرع مبنيا على التغليظ ، كوجوب غسل الرجلين ، ويروم القائس أن يثبت [ ص: 401 ] في الفرع حكما مخففا ، وقد بان من اختلاف موضوع العلة والحكم مما ذكرنا .

                                                      وهو مثل النقض ، لأنه إنما يستفيد به طرده بعد صحة علته ، كالشهادة إنما يشتغل بتعديل الشهادة بعد صحة الأداء .

                                                      وهو أقوى من النقض ، لأن الوضع إذا فسد لم يبق إلا الانتقال . والنقض يمكن الاحتراز عنه .

                                                      قال ابن السمعاني : وذكر أبو زيد وغيره أن هذا السؤال لا يرد إلا على الطرد ، والطرد ليس بحجة . وأما العلة التي ظهر تأثيرها فلا يرد هذا السؤال . ونحن نقول : نعم ، وإن كان الطرد ليس بحجة ، وإظهار التأثير لا بد منه ، ولكن السؤال يبقى ، وهو أن يقول السائل : لا يجوز أن يدل الدليل على صحة مثل هذه العلة ، أو يقول : لا يجوز أن يظهر له تأثير ، فلا بد في الجواب من نقل الكلام إلى ذلك وبأن الدليل قد قام على صحة هذه العلة . فبهذا الوجه صححنا السؤال . وقال الأصفهاني في " شرح المحصول " : فساد الوضع عبارة عن كون الدليل دالا على محل النزاع ، وهو مقبول عند المتقدمين . ومنعه المتأخرون ، إذ لا توجه له ، لكونه خارجا عن المنع والمعارضة .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية