الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 341 ] فصل

                                                      إذا فرعنا على أن التخلف لا يقدح في العلية فواضح ، وطريقه في الدفع أن يبين أن صورة النقض مستثناة بالنص أو بالإجماع ، أو يظهر المعلل مانعا من ثبوت الحكم في صورة النقض ، كما لو قال : يجب القصاص في المثقل قياسا على المحدد ، فإن نقض بقتل الوالد فإن الوصف فيه مع تخلف الحكم ، قلنا : تخلف لمانع ، وهو أن الوالد سبب لوجود الولد ، فلا يكون سببا لانعدامه . وإن فرعنا على أنه يقدح فلا بد من منعه ، وله طرق :

                                                      أحدها : - منع وجود العلة بتمامها في صورة النقض ، لا عنادا ، بل بناء على وجود قيد مناسب أو مؤثر في العلة ، وهو غير حاصل في صورة النقض ، كقولنا : طهارة عن حدث فشرط فيها النية ، كالتيمم . فإن نقض بالطهارة عن النجاسة ، قلنا : ليس الحدث كالنجاسة . وقولنا فيمن لم ينو في رمضان ليلا : تعرى أول صومه عن النية فلا يصح . فإن نقض بالتطوع قلنا : العلة عدا أول الصوم الواجب لا مطلق الصوم .

                                                      وقال القاضي عبد الوهاب : سألت بعض شيوخ الشافعية عن الترتيب في الوضوء ، فقال : لأنها عبادة ترجع إلى شطرها لعذر فكان الترتيب من شرطها . أصله الصلاة . فينقضه بغسل الجنابة ، فقال : إنما عللت لإلحاق أحد النوعين بالآخر ، وهو نوع طهارة الحدث بنوع الصلاة في أنه يجب أن يكون في طهارة فيها ترتيب واجب . فأما تعيين الموضع الذي يجب فيه فلم أقصد .

                                                      واعلم أنه إذا قال المعترض : ما ذكرت من العلة منقوض بكذا فللمستدل أن يقول : لا نسلم ، ويطالبه بالدليل على وجودها في محل النقض . وهذه المطالبة ممنوعة بالاتفاق . ثم بعد ذلك إما أن يكون وجودها في صورة النقض ظاهرا أم لا ، فإن كان كقولهم : طهارة تفتقر إلى النية ، [ ص: 342 ] فإن تحقق الطهارة في إزالة النجاسة معلوم فلا يحتاج إلى دليل يدل على وجود العلة في صورة التخلف . وإن لم يكن كقوله : الطعم علة الربا ، فيقول : هو منقوض بالطين أو الماء ، فيمنع المعلل وجود الطعم في الماء فهل للمعترض الاستدلال على وجودها ؟ قال الأكثرون : لا يمكن ذلك ، لأنه انتقال من مسألة قبل تمامها إلى أخرى ، لأنه انتقل من دعوى وجود العلة في صورة النقض إلى دعوى وجود الدليل على ذلك ، ولأن فيه قلب القاعدة ، إذ يصير المعترض مستدلا والمستدل معترضا . وقيل : يمكن منه تحقيقا للنقض .

                                                      وقال الآمدي : إن تعين طريقا للمعترض في هدم كلام المستدل وجب قبوله منه ، تحقيقا لفائدة المناظرة ، وإن أمكنه القدح بطريق آخر فلا يمكن المعترض ما لم تكن العلة حكما شرعيا . كذا حكاه ابن الحاجب . وقال القطب الشيرازي : لم أجده في سواه . وتبعه الشارحون ، وهو عجب ، فلم يذكر الإمام أبو منصور البروي تلميذ محمد بن يحيى في كتابه " المقترح " غيره ، وفرق بين الشرعي وغيره بنشر الكلام فيه جدا بخلاف غيره ، وبأن الأمر فيه قريب .

                                                      وجزم القاضي أبو الطيب بالمنع ثم قال : لكن إذا أراد كشفه عن أصل العلل يمكن من ذلك ولم يجز للمعلل منعه . و [ أورد ] الأصفهاني شارح المحصول القولين الأولين ثم قال : والصواب أنه ليس بانتقال ( قال ) : ويعود مناط الخلاف إلى أن وجود العلة في صورة النقض : هل يشترط فيه استغناؤه عن الدليل أم لا ؟ ويلزم القائل بأنه لا يسمع إثبات وجود العلة في صورة النقض بالدليل أن لا يسمع من المعلل إثبات العلة في الفرع بالدليل ، فإن قال : أقوله ولا أسمع مثله فهو باطل باتفاق الجدليين ، فإنهم اتفقوا على أن ما لا يسمع اقتراحا لا يقوله استدلالا ، فلو قال المعترض : ما ذكرت من [ ص: 343 ] الدليل على وجود العلة في الفرع دال بعينه على وجودها في محل النقض فهو انتقال من نقض للعلة إلى نقض دليلها فلا يسمع ، وبه جزم الآمدي . وقيل : يسمع ، لأن نقض دليل العلة نقض العلة نعم لو قال ذلك ابتداء وقال يلزمك إما نقض العلة أو نقض الدليل الدال على وجودها في الفرع كان مسموعا يحتاج المستدل إلى الجواب عنه .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية