الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      ثم اختلفوا في الأشباه التي يغلب بها ، على مذاهب :

                                                      أحدها : المعتبر المشابهة في الحكم فقط دون الصورة ، وحكاه الرازي والبيضاوي عن الشافعي ، ولهذا ألحق العبد المقتول بسائر المملوكات في لزوم قيمته على القاتل ، بجامع أن كلا منهما يباع ويشترى . وحكاه ابن السمعاني عن أصحابنا ، كوطء الشبهة مردود إلى النكاح في شرط الحد ، ووجوب المهر بشبهة ، بالوطء في النكاح في الأحكام .

                                                      والثاني : اعتبار المشابهة في الصورة ، كقياس الخيل على البغال والحمير وسقوط الزكاة بصورة شبه ، أو كقياس الخيل على البغال والحمير في حرمة اللحم لقول القائل : ذو حافر أهلي ، حكاه ابن السمعاني عن بعضهم معتلا بوجود الشبه قال : وإذا جاز تعليل الأصل بصفة من ذاته جاز تعليله بصفة [ ص: 302 ] من صفاته ، ولأن العلل أمارات ، فيجوز أن يكون الشبه في الصورة أمارة على الحكم ، كما يجوز أن يكون الشبه في المعنى أو في الحكم أمارة على الحكم . قال : وهذا ليس بصحيح ، إنما الصحيح أن مجرد الشبه في الصورة لا يجوز التعليل به ، لأن التعليل ما كان لها تأثير في الحكم وليس هو مما يفيد قوة في الظن حتى يوجب حكما . انتهى . وقال الأستاذ أبو منصور : ذهب قوم من أهل البدع إلى اعتبار المشابهة في الصورة ، وهو قول الأصم ، ولهذا زعم أن ترك الجلسة الأخيرة من الصلاة لا يضر ، كالجلسة الأولى . ولا يعتد بخلافه . وهذا ما نقله الإمام في البرهان عن أبي حنيفة وعن أحمد أيضا في إلحاقه الجلوس الأول بالثاني في الوجوب . واختار إلكيا اعتبار الشبه في الصورة إذا دل دليل على اعتباره ، كالمعتبر في جزاء الصيد قال : وهذا أضعف الأنواع إذ لا يعرف له نظير . قال : وأما الشبه في الحكم ، وهو دلالة الحكم على الحكم فقط ، كقول الشافعي : العبد أشبه بالحر في القصاص والكفارة للحرمة ، وتحمل العقل مثله . فإن أوجب لاحترام المحل والشبه في المقصود ، كاعتبار خيار الشرط بخيار العيب إذا ثبت استواؤهما في المقصود ، وهو دفع الغبن فمعتبران . واعلم أن الشافعي اعتبر الشبه في مواضع :

                                                      ( منها ) إلحاق الهرة الوحشية بالإنسية على الصحيح ، دون الحمر الوحشية ، لاختلاف ألوان الوحشية كالأهلية ، بخلاف الحمر الوحشية فإنها ألوانها متحدة دون الحمر الأهلية فإن ألوانها مختلفة .

                                                      و ( منها ) حيوانات البحر : الصحيح حل أكلها مطلقا . وقيل : ما أكل شبهه من البر أكل شبهه من البحر ، فصاحب هذا الوجه اعتبر الشبه [ ص: 303 ] الصوري . وعلى هذا فقال البغوي وابن الصباغ وغيرهما : حمار البحر لا يؤكل ، فألحقوه بشبه الحمار الأهلي دون الوحشي . وفيه نظر ، فإنه لا نزاع في أن الأصل في حيوان البحر الحل ( ومنها ) جزاء الصيد كإيجاب البقرة الإنسية في الوحشية .

                                                      و ( منها ) إقراض الحيوان ، ففي رد بدله وجهان أشبههما بالحديث المثل ، والقياس القيمة .

                                                      و ( منها ) السلت ، وهو يشابه الحنطة في صورته الشعير بطبعه ، فهل يلحق بالحنطة أو الشعير أو هو جنس مستقل ؟ أوجه .

                                                      و ( منها ) إذا كان الربوي لا يكال ولا يوزن ، فيعتبر بأقرب الأشياء شبها به على أحد الأوجه ، وقس على هذا نظائره .

                                                      والثالث : اعتباره في الحكم ثم الأشباه الراجعة إلى الصورة

                                                      والرابع : اعتباره فيها على حد سواء . حكاه القاضي .

                                                      والخامس : اعتبار حصول المشابهة فيما غلب على الظن أنه مناط الحكم ، بأن يظن أنه مستلزم لعلة الحكم ، أو علة للحكم . فمتى كان كذلك صح القياس ، سواء كانت المشابهة في الصورة أو المعنى . وهو قول الإمام الرازي ، وحكاه القاضي في التقريب عن ابن سريج ( قال ) : وكان ينكر القياس على شبه لم يتعين كونه علة للحكم ، إما تعينا لا احتمال فيه ولا يسوغ لأحد خلافه ، أو تعينا ظاهرا وإن أمكن أن تكون العلة غيره قال : وكذلك كان يقول أبو بكر الصيرفي وأبطل القياس على غير علة ، وذكر أن أبا بكر القفال قال بالحكم بغلبة الأشباه ، وزعم أن الأشباه تنظم الأصل والفرع وإن لم تكن أوصاف علة حكم الأصل فإنها علة حكم الفرع ، لأن ما زاد عليها في حكم المعدوم ، وشبه ذلك بغلبة الماء على المائع الطاهر أو النجس ، فجعل ما اختلط وغلب عليه في حكم المعدوم ، وهذا تصريح منه بأنه يحكم في الفرع بحكم الأصل لمشاركته فيما ليس بعلة للحكم [ ص: 304 ] في الأصل . وهو عجيب ، إذ كيف يجب رد الفرع على الأصل فيما ليس علة فيه .

                                                      والسادس : أن لا يوجد شيء أشبه به منه ، وهو قول القاضي أبي حامد المروزي .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية