الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      الثالث : [ الغريب ] : وهو أن يعتبر عينه في عين الحكم ، فترتب الحكم وفق الوصف فقط ، ولا يعتبر عين الوصف في جنس الحكم ، ولا عينه ولا جنسه في جنسه بنص أو إجماع ، كالإسكار في تحريم الخمر ، فإنه اعتبر عين الإسكار في عين الحكم بترتيب التحريم على الإسكار فقط ، ومنع السهروردي في التنقيحات وجود المناسب الغريب ورد أمثلته إلى الملائم ، وإليه أشار الغزالي في شفاء العليل " وقال : قلما يوجد في الشرع اعتبار مصلحة خاصة إلا وللشرع التفات إلى جنسها ، وعلى الأصولي التقسيم ، وعلى الفقيه الأمثلة . وكذا قال غيره : هذا لا يحسن جعله قسما برأسه ، بل إن شهد له أصل بعينه دخل فيما سبق ، وإلا كان مرسلا . ومثله ابن الحاجب بنظر الصديق وعمر رضي الله عنهما في التفضيل في العطاء .

                                                      [ ص: 277 ] وقال الإبياري في شرح البرهان : إذا ظهرت المعاني فيبعد أن لا يوجد له نظير ولا مدار ، بل لا يكاد المعنى المناسب ينفك عن نظر بحال . وقد قلت أمثلة الغريب ، ومنها توريث المبتوتة في مرض الموت ، إلحاقا بالقاتل الممنوع من الميراث ، تعليلا بالمعارضة بنقيض القصد ، فإن المناسبة ظاهرة . لكن هذا النوع من المصلحة لم يعهد اعتباره في غير هذا الخاص ، فكان غريبا لذلك . هكذا قاله ، وفيه نظر : ثم اختار تفصيلا ، وقال : إنه الذي يقتضيه مذهب مالك رحمه الله أن الغريب إذا ظهر فيه المعنى المناسب اعتبر ، كالمتعلقة بالبيع والنكاح وفصل الخصومات والقصاص والحدود ، وبين أن لا يظهر - وهي العبادات - قال : فلا تعليل بها ، كالمعاني الغريبة وإن كانت ظاهرة ، لأنا لم نعتمد على نفس المعنى ، بخلاف المعاملات . هذا كله فيما اعتبره الشرع . فإن لم يعتبره نظر : فإن دل الدليل على إلغائه لم يعلل به بالاتفاق ، وإلا فهو المرسل ، ومنهم من قسمه إلى غريب وملائم ، وقبله مالك مطلقا ، وصرح إمام الحرمين بقبوله أيضا مع تشديده الإنكار على مالك في ذلك ، ونقل عن الشافعي أيضا ، وكذا صرح به الغزالي ، لكنه شرط في اعتبار القطع فيه كون المصلحة ضرورية قطعية كلية ، ولم يشترط ذلك لأصل القول به قال : والظن القريب من القطع كالقطع ، وتابعه البيضاوي في المنهاج " . والأكثرون على أنه مردود مطلقا . ونقل ابن الحاجب الاتفاق على رد المرسل غير الملائم الذي لم يعتبره الشرع . وفصل قوم بين العبادات . وقال إمام الحرمين في ترجيح الأقيسة ولا نرى التعلق بكل مصلحة ، ولم ير [ ص: 278 ] ذلك أحد من العلماء قال : ومن ظن ذلك بمالك فقد أخطأ .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية