الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      مسألة

                                                      كل فرق مؤثر بين مسألتين يؤثر ما لم يغلب على الظن أن الجامع أظهر . [ ص: 393 ] قال إمام الحرمين في " النهاية " : في نكاح العبد بأكثر مما أذن به السيد : إنه لا يليق بنا أن نكتفي بالخيالات في الفروق ، كدأب أصحاب الرأي . والسر في ذلك أن متعلق الأحكام مجال الظنون علما بها ، فإذا كان اجتماع مسألتين أظهر في الظن من افتراقهما وجب القضاء باجتماعهما ، وإن انقدح فرق على بعد . قال الإمام : فافهموا ذلك فإنه من قواعد الدين .

                                                      وإذا عرف ذلك فإذا فرق بين المسألتين بعدما جمع بينهما - فرقا مؤثرا فهل يكفي الفارق في إثبات مخالف كل واحدة الأخرى في الحكم ؟ فيه خلاف مبني على أنه : هل يجوز تعليل الحكم الواحد بعلتين مستنبطتين ؟ مثال : إذا قيس الشطرنج على النرد في التحريم ثم فرق بينهما بأن النرد فعله من النقص ، والشطرنج من الفكر مثلا ، فهل يكون الفارق دليلا على مخالفة الشطرنج للنرد في التحريم ليكون الشطرنج حلالا أم لا ؟ إذا عرف ذلك فهل يسمع الجامع بعد الفرق ؟ فيه خلاف مرتب على أنه : هل يجوز تعليل الحكم بعلتين ؟ مثاله : لو خير الجامع - بعد أن فرق الفارق في الشطرنج والنرد بما ذكرنا " بأن كلا منهما اشترك في المنع عن الاشتغال بالله وعن عبادته . [ ص: 394 ] ذكر الشيخ نجم الدين المقدسي في كتابه الذي أفرده في " الفرق والجمع " : إذا تمت المناسبة بشروطها فهو الفرق الصحيح . وأما الفروق الفاسدة فكثيرة :

                                                      الأول : الفرق بالأوصاف الطردية : كما لو قيل : صح بيع الحبشي فيصح بيع التركي ، فلو فرق بينهما بأن هذا أسود وذلك أبيض لكان باطلا ، فإنه لو فتح باب الفرق بذلك لم يتم قياس أصلا ، لأن ما من صورتين إلا وبينهما فرق .

                                                      الثاني : الفرق بنوع اصطلحوا على رده : كما لو قيل في الزاني المحصن يجب رجمه بالقياس على ماعز . فلو قيل : إنما وجب الرجم هناك تطهيرا له ، وهذا المعنى معدوم في غيره لكان باطلا .

                                                      الثالث : الفرق بكون الأصل مجمعا عليه والفرع مختلفا فيه : كما لو قيل : الحاجة إلى وجوب الزكاة على البالغ أكثر منه على الصبي ، لأنها في البالغ متفق عليه ، وفي الصبي مختلف فيه ، ولو استوت الصورتان في المصلحة لاستوتا في الاجتماع وعدمه . وقريب منه الفرق بكون الأصل منصوصا عليه والفرع مختلفا فيه ، لأنه لو صح الفرق بذلك بطلت الأقيسة كلها .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية