الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 434 ] فصل : ذكروا أن جميع الأسئلة ترجع إلى المنع والمعارضة ، لأنه متى حصل الجواب عن المنع والمعارضة تم الدليل وحصل الغرض من إثبات المدعى ولم يبق للمعترض مجال ، فيكون ما سواها من الأسئلة باطلا فلا يسمع ، لأنه لا يحصل الجواب عن جميع المنوع إلا بإقامة الدليل على جميع المقدمات وبيان لزوم الحكم فيها وإلا لاتجه المنع . وكذلك لا يحصل الجواب عن المعارضة إلا ببيان انتفاء المعارض عن كلها وبيان كيفية رجوعها إلى ذلك : أما الاستفسار فلأن الكلام إذا كان محتملا لا يحصل غرض المستدل إلا بتفسيره ، فالمطالبة بتفسيره تستلزم منع تحقيق الوصف ومنع لزوم الحكم عنه ، فهو راجع إلى المنع . وأما التقسيم فهو راجع إلى المنع أو المعارضة ، لأن الكلام إذا كان محتملا لأمرين فيضطره المنع إلى اختيار القسمين ، وحينئذ يتجه عليه المنع أو المعارضة . وأما المطالبة فهي مع لزوم الحكم عن الوصف فهي داخلة في النقض .

                                                      وأما النقض فمعارضة ، لأنه يبطل العلة . وأما الفرق فكذلك ، لأنه ما يكون بدا معنى في الأصل أو في الفرع عن المعنى الذي علل به المستدل . وأما الكسر فهو نوع من النقض ، والنقض معارضة . وأما القول بالموجب فهو راجع إلى المنع ، لأنه عبارة عن تسليم الدليل مع استيفاء النزاع في الحكم ، وذلك منع لزوم الحكم مما ادعاه المستدل [ ص: 435 ] وأما القلب فمعارضة في الحكم ، وقيل : إنه راجع إلى المنع . وأما عدم التأثير فمعارضة في المقدمة ، وذلك لأن المستدل إذا احتج بالقياس فقال له المعترض : ما ذكرته من المعنى الجامع غير صالح للعلية لثبوت الحكم بدونه كان ذلك معارضة في المقدمة ، لأن ثبوت علية الوصف الجامع مقدمة في القياس . وحاصله راجع إلى القدح في كون الجامع علة ببيان ثبوت الحكم بدون جزء من أجزاء العلة ، وهو في الحقيقة معارضة في العلة ، لأن المستدل يدعي كون المجموع المركب علة ، والمعترض لعدم التأثير يبين كون بعض المجموع علة لا ذلك المجموع كله ، وذلك معارضة للكل بالبعض ، وهو لطيف غامض .

                                                      وأما الترجيح فهو معارضة في حكم المسألة ، وكيفية توجيهه أن يقال : موجب ما ذكرنا من الدليل راجح على ما ذكرتم ويبينه بطريقه ، فلو لم يثبت موجبه للزم الترك بالدليل الراجح ، وإنه ممتنع . وللخصم أن يمنع أنه غير الأول ، لأنه شرط الغير أن يكون مغايرا له ذاتا ، بمعنى أنه يمكن وجود كل منهما بدون الآخر ، احترازا من المطلق والمقيد ، فإن كان من المستدل فهو معارضته لما اعترض به المعترض ، كان المعارضة عبارة عن إقامة دليل يوقف به دليل خصمه . والترجيح كذلك . لأنه يقتضي ثبوت الراجح ، فيدفع ما أبداه المعترض لكونه مرجوحا . وأما فساد الوضع فهو منع لزوم الحكم عن الدليل ، لأن ثبوت الحكم بالقياس بشرط أن لا يكون النص موجودا لكن النص موجود . وأما فساد الاعتبار فيرجع إلى المنع ، لأنه مع ثبوت القياس على مخالفة النص وقد وجد النص واعتبار القياس على وجوده اعتبار فاسد ، فلا يترتب عليه الحكم ، فإذا فساد الاعتبار راجع إلى منع لزوم الحكم ، وأما دعوى [ ص: 436 ] كون محل النزاع لا يجوز فيه القياس فهو راجع إلى المعارضة في العلة أو في الحكم . وإذا علمت رجوع جميع الاعتراضات إلى المنع والمعارضة فاعلم أن بعضهم زعم أن المعارضة راجعة إلى المنع .

                                                      فائدة :

                                                      قال بعضهم : حال المتناظرين ، أو الناظر مع نفسه ، في طلب وجه الحكم الشرعي كحال الخصمين بين يدي الحاكم ، فالمستدل كالمدعي ، والسائل كالمدعى عليه ، والحكم المطلوب كالحق المدعى به . وأصل القياس في الشاهد . وعلة الأصل كنطق الشاهد بأداء شهادته . والشرع الذي هو الكتاب والسنة الحاكم الذي ينفذ الحكم أو يرد ، بالتصديق أو بالتكذيب . ورد السائل القياس لوجود النظر كتزييف الشهود وردهم بأمر لازم لا خلاف فيه . والممانعة في حكم الأصل ووصفه كإنكار حضور الشهود . والممانعة في وجود علة الأصل كإنكار شهادتهم ، ومثله إنكار وجود العلة في الفرع ، والوضع الفاسد كتنافي الشهادة وتوافقها . والمطالبة بالدليل على صحة العلة كتكليف المدعي تعديل الشهود . والنقض كإظهار كذب الشهود في مثل ما شهدوا به عليه . والقول بالموجب كتفسير الشهادة بما يحتملها ليخرج من عهدتها بالشيء المدعى به . والمعارضة كمقابلة الشهود ببينة تشهد بخلافها ، فتتهافت الشهادتان ، وكلها مفسدة للقياس ، وإذا سلم منها كان معمولا به .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية