الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      الرابع والعشرون : إن كانت متعدية أي توجد في غير الأصل فيشترط فيها أن لا يكون التعليل في المحل ولا جزءا منه ولا يتصور تعديتها بخلاف القاصرة ، فإنه يجوز فيها ذلك . هذا هو المختار عند الرازي وابن الحاجب . وقيل : يجوز أن يعلل بالمحل وجزئه فيهما . وقيل : يمتنع فيهما ونسب للأكثرين . وقال الآمدي : يجوز بجزء المحل دون المحل ، وليس هذا في الحقيقة مذهبا ثالثا ، كما يوهم صاحب " البديع " وغيره ، لأن مراده بالجزء ( العام ) بدليل قوله بعد ذلك : وأما الجزء فلا يمتنع التعليل به لاحتمال عمومه للأصل والفرع . وهذا بخلافه . وقال الهندي : الحق أنه مبني على جواز تعليل الحكم بالعلة القاصرة فإن جوز ذلك جاز هذا ، سواء ثبت عليته بنص أو بغيره ، إذ لا يبعد أن يقول الشارع : حرمت الربا في البر لكونه برا أو يعرفه مناسبة محل الحكم له لاشتماله على حكمة داعية له ، ولا نظر إلى أن يقال : لو جاز ذلك لكان الشيء الواحد قابلا وفاعلا ، لأنا لا نسلم استحالة ذلك ، واستحالته مبنية على أن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد ، وهو باطل قطعا وإن يجوز التعليل بالقاصرة ، لم يجوز هذا ، لأن محل الحكم وجزأه الخاص [ ص: 199 ] يستحيل أن يوجد في غيره .

                                                      واعلم أن هذه المسألة منقولة عن مسألة مشهورة بين المتكلمين والفلاسفة ، وهي أن الواحد من جميع الوجوه لا يصدر عنه أكثر من واحد إلا إذا تعددت القوابل . وبنوا عليه ترتيب الموجودات ، فإنهم قالوا : أقل ما صدر من الواجب لذاته شيء واحد وهو المسمى بالفلك الأول عندهم ، ثم صدر من الفلك الأول عقل ونفس ، ثم بنوا على هذا الأصل الفاسد فاسدا آخر ، وهو أنه لا يجوز أن يكون لواجب الوجود صفة وجودية قائمة بذاته ، وإلا لكان فاعلا لها وقابلا لها وهو محال ، وذلك لأن الفعل والقبول أمران مختلفان ، والواحد لا يصدر عنه إلا واحد وهو من باب تفريع الفاسد على الفاسد .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية