الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ أمور تتصل بتنقيح المناط ] وهاهنا أمور :

                                                      أحدها : أن تنقيح المناط ليس دالا على العلية بعينه ، بل هو دال على اشتراك الصورتين في الحكم ، بخلاف تخريج المناط فإنه لا بد فيه من تعيين العلة والدلالة على عليتها . فلا يكون الأول من طرق إثبات العلة بعينها أصلا ، بل هو من طرق إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق . قاله الأصفهاني في " شرح المحصول " .

                                                      الثاني : ذكر بعض الجدليين أن تنقيح المناط لا يكون من قبيل المؤثر ، لأن الظاهر لا يستقر بالدلالة على كونه علة ، بل ينضم إليه دليل الحذف . والصحيح أنه من قبيل المؤثر . واختاره الشريف في جدله ، لأن دليل الحذف إنما أفادنا كون الحذف غير مراد ، فأما كون الباقي مرادا فإنما استفدناه من الظاهر فكان مؤثرا إلا أنه دون المؤثر في الرتبة . [ ص: 326 ]

                                                      الثالث : أن الإمام فخر الدين زعم أن هذا المسلك هو مسلك السبر والتقسيم ، فلا يحسن عده نوعا آخر ، وليس كما قال ، بل الفرق بينهما أن الحصر في دلالة السبر لتعيين العلة إما استقلالا أو اعتبارا . وفي نفي الفارق لتعيين الفارق وإبطاله ، لا لتعيين العلة ، بل هو نقيض قياس العلة ، لأن القياس هناك عين جامعا بين الفرع والأصل ، وعين هنا الفارق بينهما

                                                      تنبيه :

                                                      عد صاحب " المقترح " من المسالك ( نفي الفارق ) بأن يبين أن الفرع لم يفارق الأصل إلا فيما لا يؤثر ، فيلزم اشتراكهما في المؤثر ، كالسراية في الأمة ، قياسا على العبد . وهو عجيب ، فإنه لا يدل على أن الوصف المعين علة ، وإنما يدل على أن علة الأصل من حيث الجملة متحققة في الفرع من غير تعيين ، ولهذا لم يعده أحد من الجدليين من مسالك التعليل . وهو قريب من ( السبر ) ، إلا أنه في السبر يبطل الجمع إلا واحدا . وفي نفي الفارق يبطل واحد فتتعين العلة بين الباقي ، والباقي موجود في الفرع ، فيلزم اشتماله على العلة ثم على أصله . ولا بد فيه من تفصيل : فإن كانت مقدماته قطعية فهو صحيح ، أو ظنية لم يصح ، لأن القطع بتحقيق المناط في الفرع لم يحصل ، وهو شرط عنده

                                                      وعد الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني من طرق العلة أن لا يجد الدليل على عدم علية الوصف ، فقال : ليس على القائس إذا لم يجد شيئا مما قدمناه إلا أن يعرض العلة التي استنبطها على مبطلات التعليل ، فإن لم يجد قادحا ، وعرضها على أصول الشريعة فلم يجد فيها ما ينافي علته ، فيحكم بسلامة العلة حينئذ . وأطنب القاضي أبو بكر في تغليطه ، وقال : هذا باطل لا أصل [ ص: 327 ] له ، وقصاراه الاكتفاء بدعوى مجردة ، والاكتفاء على صحة العلة بعدم الدليل على فسادها ، فلم ينكر على القائل أنها تفسد بعدم الدلالة على صحتها . فإن قال : عدم دلالة الفساد دلالة صحتها ، قيل : عدم الدلالة على صحتها دلالة على فسادها . فتقابل القولان وتجدد دعوى الخصم .

                                                      وقد عد بعضهم من طرق العلة أن يقال : هذا الوصف على تقدير عدم عليته لا يأتي معه ذلك ، فوجب أن يكون علة ليمكن الإتيان معه بالمأمور به ، وهو دور ، لأن تأتي القياس يتوقف على ثبوت العلة ، فلو أثبتنا العلة به لتوقف ثبوت العلة عليه ولزم الدور .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية