الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد، قال: حدثنا جدي، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، قال: حدثنا محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب ح، وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، واللفظ له قال: أخبرنا أبو بكر محمد [ ص: 12 ] بن عبد الله بن أحمد بن عتاب العبدي، قال: حدثنا القاسم بن عبد الله بن المغيرة، قال: حدثنا ابن أبي أويس، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن عمه موسى بن عقبة قال: فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يزعمون في المغتسل يرجل رأسه قد رجل أحد شقيه، أتاه جبريل عليه السلام على فارس عليه لأمته، حتى وقف بباب المسجد عند موضع الجنائز، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له جبريل: غفر الله لك، أقد وضعت السلاح؟ قال: "نعم" .

                                        قال جبريل: لكن نحن لم نضعه منذ نزل بك العدو، وما زلت في طلبهم، فقد هزمهم الله.

                                        ويقولون: إن على وجه جبريل عليه السلام لأثر الغبار، فقال له جبريل: إن الله قد أمرك بقتال بني قريظة، وأنا عامد لهم بمن معي من الملائكة صلوات الله عليهم لأزلزل بهم الحصون، فاخرج بالناس.

                                        فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثر جبريل، فمر على مجلس بني غنم وهم ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم: "مر عليكم فارس آنفا؟" فقالوا: مر علينا دحية الكلبي، على فرس أبيض، تحته نمط أو قطيفة من ديباج، عليه اللأمة.

                                        فذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ذاك جبريل" .

                                        وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشبه دحية الكلبي بجبريل عليه السلام فقال: "الحقوني ببني قريظة، فصلوا فيهم العصر" .

                                        فقام ومن شاء الله عز وجل منهم، فانطلقوا إلى بني قريظة فحانت العصر، وهم في الطريق، فذكروا الصلاة، فقال بعضهم لبعض: ألم تعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمركم أن تصلوا العصر في بني قريظة.

                                        وقال آخرون: هي الصلاة.

                                        فصلى منهم قوم، وأخرت طائفة منهم الصلاة، حتى صلوها ببني قريظة، بعد أن غابت الشمس، فذكروا لرسول الله [ ص: 13 ] صلى الله عليه وسلم من عجل منهم الصلاة، ومن أخرها، فذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعنف أحدا من الطائفتين.

                                        قال: ولما رأى علي بن أبي طالب رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا تلقاه وقال: ارجع يا رسول الله، فإن الله كافيك اليهود.

                                        وكان علي سمع منهم قولا سيئا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه فكره علي أن يسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم تأمرني بالرجوع؟" فكتمه ما سمع منهم، فقال: "أظنك سمعت لي منهم أذى، فامض فإن أعداء الله لو قد رأوني لم يقولوا شيئا مما سمعت" .

                                        فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصنهم، وكانوا في أعلاه، نادى بأعلى صوته نفرا من أشرافها، حتى أسمعهم فقال: "أجيبونا يا معشر يهود، يا إخوة القردة، قد نزل بكم خزي الله" .

                                        فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتائب المسلمين بضع عشرة ليلة، ورد الله عز وجل حيي بن أخطب، حتى دخل حصن بني قريظة، وقذف الله عز وجل في قلوبهم الرعب واشتد عليهم الحصار؛ فصرخوا بأبي لبابة بن عبد المنذر وكانوا حلفاء للأنصار، فقال أبو لبابة: لا آتيهم، حتى يأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                        فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد أذنت لك" .

                                        فأتاهم أبو لبابة، فبكوا إليه وقالوا: يا أبا لبابة، ماذا ترى؟ وماذا تأمرنا؟ فإنه لا طاقة لنا بالقتال.

                                        فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه، وأمر عليه أصابعه، يريهم أنما يراد بكم القتل.

                                        فلما انصرف أبو لبابة سقط في يده ورأى أنه قد أصابته فتنة عظيمة، فقال: والله لا أنظر في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحدث لله عز وجل توبة نصوحا، يعلمها الله عز وجل من نفسي.

                                        فرجع إلى المدينة , فربط يديه إلى جذع من جذوع المسجد.

                                        فزعموا أنه ارتبط قريبا من عشرين ليلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكر حين راث عليه أبو [ ص: 14 ] لبابة: "أما فرغ أبو لبابة من حلفائه؟" قالوا: يا رسول الله، قد والله انصرف من عند الحصن، وما ندري أين سلك.

                                        فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وقد حدث لأبي لبابة أمر، ما كان عليه؟" فأقبل رجل من عند المسجد فقال: يا رسول الله، قد رأيت أبا لبابة ارتبط بحبل إلى جذع من جذوع المسجد.

                                        فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد أصابته بعدي فتنة، ولو جاءني لاستغفرت له، فإذ فعل هذا فلن أحركه من مكانه حتى يقضي الله فيه ما يشاء" .


                                        وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا أبو جعفر البغدادي، قال: حدثنا أبو علاثة محمد بن عمرو بن خالد، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا ابن لهيعة، قال: قال أبو الأسود: قال عروة: فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجل رأسه، قد رجل أحد جانبيه، أتاه أمر الله عز وجل، فأقبل جبريل عليه السلام على فرس عليه لأمته، فذكر هذه القصة بمعنى ما ذكر موسى بن عقبة، إلا أنه زاد عنه قوله: فاخرج بالناس.

                                        قال: فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلبس لأمته وأذن بالخروج، وأمرهم أن يأخذوا السلاح؛ ففزع الناس للحرب، فبعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه على المقدمة، ودفع إليه اللواء، وأمر أن ينطلق حتى يقف بهم إلى حصن بني قريظة، ففعل وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على آثارهم، فمر على مجلس من الأنصار في بني غنم ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزعموا أنه قال: "مر بكم الفارس آنفا" قالوا: مر بنا دحية الكلبي على فرس، تحته قطيفة حمراء عليه، لأمة.

                                        فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ذاك جبريل عليه السلام" .

                                        وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشبه دحية الكلبي بجبريل عليه السلام،
                                        ثم ذكر باقي القصة بنحوه، إلا أنه لم يقل: بضع عشرة ليلة.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية