الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 15 ] وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: حدثنا يونس، عن ابن إسحاق، قال: فحدثني والدي إسحاق بن يسار، عن معبد بن كعب بن مالك السلمي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصرهم خمسا وعشرين ليلة حتى أجهدهم الحصار، وقذف الله عز وجل الرعب في قلوبهم وكان حيي بن أخطب دخل مع بني قريظة في حصنهم حين رجعت قريش وغطفان وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه، فلما أيقنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منصرف حتى يناجزهم، قال كعب بن أسد: يا معشر يهود، إنه قد نزل بكم من الأمر ما ترون، وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا، فخذوا أيها شئتم.

                                        فقالوا: ما هو؟ قال: نبايع هذا الرجل ونصدقه، فوالله لقد تبين لكم أنه نبي مرسل، وأنه الذي تجدونه في كتابكم، فتأمنوا على دمائكم وأموالكم ونسائكم.

                                        فقالوا: لا نفارق حكم التوراة أبدا، ولا نستبدل به غيره.

                                        قال: فإذا أبيتم علي هذا، فهلموا فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد رجالا مصلتين السيوف لم نترك وراءنا ثقلا يهمنا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، فإن نهلك، نهلك ولم نترك وراءنا نسلا يهمنا نخاف عليه، وإن نظهر فلعمري لنجدن النساء والأبناء.

                                        فقالوا: نقتل هؤلاء المساكين فما خير العيش بعدهم؟ فقال: فإذا أبيتم هذه علي، فإن الليلة ليلة السبت، وعسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنونا فيها، فانزلوا، فلعلنا نصيب منهم غرة.

                                        فقالوا: نفسد سبتنا، ونحدث فيه ما أحدث من كان قبلنا، فأصابهم ما قد علمت من المسخ؟ فقال: ما بات رجل منكم ليلة واحدة منذ ولد حازما [ ص: 16 ] .

                                        ثم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر، وكانوا حلفاء الأوس، نستشيره في أمرنا، فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فلما رأوه، قام إليه الرجال، وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه، فرق لهم وقالوا له: يا أبا لبابة، أترى أن تنزل على حكم محمد.

                                        فقال: نعم.

                                        وأشار بيده إلى حلقه؛ أنه الذبح.

                                        قال أبو لبابة: فوالله، ما زالت قدماي ترجفان، حين عرفت أني قد خنت الله ورسوله.

                                        ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده وقال: لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله علي مما صنعت.

                                        وعاهد الله أن لا يطأ بني قريظة أبدا، ولا يراني في بلد خنت الله ورسوله فيه.

                                        فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره، وكان قد استبطأه، قال: "أما لو جاءني لاستغفرت له، فأما إذ فعل الذي فعل، ما أنا بالذي يطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه"
                                        .

                                        هكذا قال ابن إسحاق بإسناده، وزعم سعيد بن المسيب أن ارتباطه بسارية التوبة كان بعد تخلفه عن غزوة تبوك، حين أعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عليه عاتب بما فعل يوم قريظة، ثم تخلف عن غزوة تبوك فيمن تخلف، والله أعلم.

                                        وفي رواية علي بن أبي طلحة، وعطية بن سعد، عن ابن عباس في ارتباطه حين تخلف عن غزوة تبوك، ما يؤكد قول ابن المسيب.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية