الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 265 ] باب وقوع الخبر بمكة وورود الحجاج بن علاط على أهلها لأخذ ماله

                                        أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا أبو جعفر البغدادي، قال: حدثنا أبو علاثة، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا ابن لهيعة، قال: حدثنا أبو الأسود، عن عروة (ح) وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل، قال: حدثنا أبو بكر بن عتاب، قال: حدثنا القاسم الجوهري، قال: حدثنا ابن أبي أويس، عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن موسى بن عقبة، قالا: وكان بين قريش حين سمعوا بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر تراهن عظيم، وتبايع، منهم من يقول: يظهر محمد وأصحابه، ومنهم من يقول: يظهر الحليفان، ويهود خيبر، وكان الحجاج بن علاط السلمي ثم البهزي أسلم، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح خيبر، وكانت تحته أم شيبة أخت بني عبد الدار بن قصي، وكان الحجاج مكثرا من المال كانت له معادن أرض بني سليم، فلما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم على خيبر قال الحجاج بن [ ص: 266 ] علاط: يا رسول الله، إن لي ذهبا عند امرأتي، وإن تعلم هي وأهلها بإسلامي، فلا مال لي، فأذن لي يا رسول الله فأسرع السير، ولأسبق الخبر، وذكر الحديث.

                                        ومعناه فيما أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان، قال: حدثنا زيد بن المبارك، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، قال: سمعت ثابتا البناني، عن أنس، قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، قال الحجاج بن علاط: يا رسول الله إن لي بمكة مالا وإن لي بها أهلا، وأنا أريد إتيانهم، فأنا في حل إن أنا نلت منك، وقلت شيئا، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ما شاء، فقال لامرأته حين قدم: أخف علي واجمعي ما كان عندك لي، فإني أريد أن أشتري من غنائم محمد وأصحابه، فإنهم قد استبيحوا وأصيبت أموالهم ففشا ذلك بمكة، فاشتد على المسلمين وأبلغ منهم وأظهر المشركون فرحا وسرورا، وبلغ الخبر العباس فعقر، وجعل لا يستطيع أن يقوم.

                                        قال معمر: فأخبرني عثمان الجزري، عن مقسم قال: فأخذ العباس ابنا له يقال له قثم، واستلقى ووضعه على صدره وهو يقول:


                                        حبي قثم


                                        شبه ذي الأنف الأشم


                                        نبي ذي النعم


                                        برغم من زعم

                                        قال معمر
                                        في حديث أنس: فأرسل العباس غلاما له إلى الحجاج أن ويلك ما جئت به وما تقول فالذي وعد الله خير مما جئت به، قال الحجاج: يا غلام أقرئ أبا الفضل السلام وقل له: فليخل لي في بعض بيوته فآتيه فإن الخبر على ما يسره، فلما بلغ العبد باب الدار، قال: أبشر يا أبا الفضل، فوثب العباس فرحا حتى قبل ما بين عينيه، فأخبره بقول الحجاج، فأعتقه، ثم جاء الحجاج فأخبره بافتتاح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، وغنم أموالهم وأن سهام الله قد جرت فيها، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطفى صفية بنت حيي لنفسه وخيرها أن يعتقها وتكون زوجته أو يلحقها بأهلها، فاختارت أن يعتقها وتكون زوجته، ولكن [ ص: 267 ] جئت لمال كان هاهنا أن أجمعه، فأذهب به، وإني استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول، فأذن لي أن أقول ما شئت، فأخف علي يا أبا الفضل ثلاثا، ثم اذكر ما شئت.

                                        قال: فجمعت له امرأته متاعه، ثم انشمر، فلما كان بعد ثلاث أتى العباس امرأة الحجاج فقال: ما فعل زوجك؟ قالت: ذهب وقالت: لا يحزنك الله يا أبا الفضل، لقد شق علينا الذي بلغك، فقال: أجل لا يحزنني الله، ولم يكن بحمد الله إلا ما أحببنا، فتح الله على رسوله، وجرت سهام الله في خيبر، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه، فإن كان لك في زوجك حاجة فالحقي به، قالت: أظنك والله صادقا، قال: فإني والله صادق، والأمر على ما أقول لك، ثم ذهب حتى أتى مجالس قريش وهو يقول إذا مر بهم: لا يصيبك إلا خير يا أبا الفضل، قال: لا يصيبني إلا خير والحمد لله، خبرني الحجاج بكذا وكذا، وقد سألني أن أكتم عليه ثلاثا لحاجته، فرد الله ما كان بالمسلمين من كآبة وجزع على المشركين، وخرج المسلمون من مواضعهم، حتى دخلوا على العباس فأخبرهم الخبر.


                                        وفي رواية عروة: فدعا العباس ابنا له يدعى قثم وكان يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يرتجز به تشددا لأعداء الله ويقول وهو يرتجز:


                                        يا ابن شيبة ذي الكر

                                        م

                                        فحزت بالأنف الأشم


                                        يا ابن ذي نعم


                                        برغم من زعم

                                        وسقط الرجز من رواية موسى بن عقبة.

                                        ورواه عبد الرزاق عن معمر وقال في الرجز:

                                        [ ص: 268 ]

                                        حبي قثم


                                        شبيه ذي الأنف الأشم


                                        نبي ذي النعم


                                        برغم من زعم

                                        .

                                        أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو بكر القاضي قالا: حدثنا أبو العباس هو الأصم، قال: حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني، قال: محمد بن غيلان، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، فذكره بمعناه.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية