الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا أبو عبد الله الأصبهاني، قال: حدثنا الحسن بن الجهم، قال: حدثنا الحسين بن الفرج، قال: حدثنا [ ص: 224 ] الواقدي، قال: لما تحولت اليهود من حصن ناعم وحصن الصعب بن معاذ إلى قلعة الزبير حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حصن منيع إنما هو في رأس قلة فأقام على محاصرتهم ثلاثة أيام، فجاء رجل من اليهود يقال له غزال، فقال: يا أبا القاسم، تؤمنني على أن أدلك على ما تستريح من أهل النطاة وتخرج إلى أهل الشق فإن أهل الشق قد هلكوا رعبا منك، قال: فأمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهله وماله، فقال اليهودي: إنك لو أقمت شهرا ما بالوا، لهم دبول تحت الأرض يخرجون بالليل فيشربون منها ثم يرجعون إلى قلعتهم فيمتنعون منك، فإن قطعت مشربهم عليهم أصحروا لك.

                                        فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دبولهم فقطعها، فلما قطع عليهم مشاربهم خرجوا فقاتلوا أشد القتال وقتل من المسلمين يومئذ نفر وأصيب من يهود ذلك اليوم عشرة، وافتتحه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان هذا آخر حصون النطاة، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من النطاة تحول إلى أهل الشق
                                        وبإسناده، قال: حدثنا الواقدي، قال: حدثنا موسى بن عمر الحارثي، عن أبي عفير محمد بن سهل بن أبي خيثمة قال: لما تحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشق وبه حصون ذوات عدد فكان أول حصن بدأ به منها حصن أبي، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على قلعة يقال لها سموان، فقاتل عليها أهل الحصن قتالا شديدا، وخرج رجل من اليهود يقال له غزال، فدعا إلى البراز فبرز له الحباب بن المنذر، فاختلفا ضربات ثم حمل عليه الحباب فقطع يده اليمنى من نصف الذراع، فوقع السيف من يد غزال وكان أعزل فبادر راجعا [ ص: 225 ] مستهزما إلى الحصن وتبعه الحباب فقطع عرقوبين فوقع فذفف عليه.

                                        فخرج آخر فصاح: من يبارز؟ فبرز له رجل من المسلمين من آل جحش فقتل الجحشي، وقام مكانه يدعو إلى البراز، فبرز له أبو دجانة قد عصب رأسه بعصابة حمراء فوق المغفر يختال في مشيته فبدره أبو دجانة فضربه فقطع رجليه، ثم ذفف عليه وأخذ سلبه ودرعه وسيفه، فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك، وأحجموا عن البراز، فكبر المسلمون، ثم تحاملوا على الحصن فدخلوه يقدمهم أبو دجانة فوجدوا فيه أثاثا ومتاعا وغنما وطعاما وهرب من كان فيه من المقاتلة وتقحموا الجدر كأنهم الطباء حتى صاروا إلى حصن النزار بالشق وجعل يأتي من بقي من فل النطاة إلى حصن النزار فغلقوه وامتنعوا فيه أشد الامتناع وزحف رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم في أصحابه فقاتلهم فكانوا أشد أهل الشق رميا للمسلمين بالنبل والحجارة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم حتى أصاب النبل ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلقت به فأخذ النبل فجمعها ثم أخذ لهم كفا من حصباء فحصب به حصنهم، فرجف الحصن بهم ثم ساخ في الأرض حتى جاء المسلمون فأخذوا أهله أخذا.


                                        وبإسناده، قال: حدثنا الواقدي، عن شيوخه، قالوا: ثم تحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل الكتيبة والوطيح والسلالم حصن أبي الحقيق الذي كانوا فيه فحصنوا أشد التحصين وجاءهم كل فل كان انهزم من النطاة والشق فتحصنوا معهم في القموص وهو في الكتيبة وكان حصنا منيعا في الوطيح والسلالم وجعلوا لا يطلعون من حصونهم حتى هم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينصب المنجنيق عليهم فلما أيقنوا بالهلكة وقد حصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر يوما، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 226 ] الصلح، فأرسل ابن أبي الحقيق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، فنزل ابن أبي الحقيق فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقن دماء من في حصونهم من المقاتلة، وترك الذرية لهم، ويخرجون من خيبر، وأرضها بذراريهم ويخلون بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ما كان لهم من مال وأرض وعلى الصفراء والبيضاء والكراع والحلقة، وعلى البر الأثوب كان على ظهر إنسان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وبرئت منكم ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتموني شيئا" .

                                        فصالحوه على ذلك.


                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية