الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو جعفر البغدادي، قال: حدثنا أبو علاثة، قال: حدثنا أبي قال، حدثنا ابن لهيعة، قال: حدثنا أبو الأسود، عن عروة بن الزبير (ح) وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، قال: أخبرنا أبو بكر بن عتاب، قال: حدثنا القاسم بن عبد الله بن المغيرة، قال: حدثنا ابن أبي أويس، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن عمه موسى بن عقبة (ح) وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل الشعراني، قال: حدثنا جدي، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، وهذا لفظ حديث إسماعيل عن عمه قال: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العام القابل من عام الحديبية معتمرا في ذي القعدة سنة سبع وهو الشهر الذي صده فيه المشركون عن المسجد الحرام، حتى إذا بلغ يأجج، وضع الأداة كلها الحجف والمجان والرماح والنبل، ودخلوا بسلاح الراكب السيوف، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب بين يديه إلى ميمونة بنت الحارث بن حزن العامرية [ ص: 315 ] ، فخطبها عليه فجعلت أمرها إلى العباس بن عبد المطلب، وكانت تحته أختها أم الفضل بنت الحارث، فزوجها العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه فقال: "اكشفوا عن المناكب، واسعوا في الطواف" ليرى المشركون جلدهم وقوتهم وكان يكابدهم بكل ما استطاع فاستكف أهل مكة الرجال والنساء والصبيان ينظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم يطوفون بالبيت، وعبد الله بن رواحة يرتجز بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشحا بالسيف يقول:


                                        خلوا بني الكفار عن سبيله أنا الشهيد أنه رسوله     قد أنزل الرحمن في تنزيله
                                        في صحف تتلى على رسوله     فاليوم نضربكم على تأويله
                                        كما ضربناكم على تنزيله     ضربا يزيل الهام عن مقيله
                                        ويذهل الخليل عن خليله

                                        قال: وتغيب رجال من أشراف المشركين أن ينظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غيظا وحنقا ونفاسة وحسدا، خرجوا إلى الخندمة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وأقام ثلاث ليال، وكان ذلك آخر القضية يوم الحديبية، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليوم الرابع أتاه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس الأنصار يتحدث مع سعد بن عبادة، فصاح حويطب: نناشدك الله والعقد لما خرجت من أرضنا فقد مضت الثلاث، فقال سعد بن عبادة: كذبت لا أم [ ص: 316 ] لك ليس بأرضك ولا أرض آبائك، والله لا يخرج، ثم نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم سهيلا وحويطبا، فقال: "إني قد نكحت فيكم امرأة، فما يضركم أن أمكث حتى أدخل بها، ونصنع ونضع الطعام فنأكل وتأكلون معنا" ، قالوا: نناشدك الله والعقد إلا خرجت عنا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بطن سرف، وأقام المسلمون وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع ليحمل ميمونة إليه حين يمسي، فأقام بسرف، حتى قدمت عليه ميمونة، وقد لقيت ميمونة ومن معها عناء وأذى من سفهاء المشركين وصبيانهم، فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرف، فبنى بها، ثم أدلج فسار حتى قدم المدينة وقدر الله أن يكون موت ميمونة بسرف بعد ذلك بحين، فماتت حيث بنى بها، وذكر قصة ابنة حمزة، وذكر أن الله عز وجل أنزل في تلك العمرة: الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص ، فاعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشهر الحرام الذي صد فيه.

                                        هذا لفظ حديث موسى بن عقبة.

                                        وفي رواية عروة عند قول سعد بن عبادة: والله لا يخرج منها إلا طائعا راضيا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وضحك: "لا تؤذ قوما زارونا في رحالنا" ثم ذكر الباقي بمعناه ولم يذكر رجز عبد الله بن رواحة، ولا قول من قال فزوجها العباس.

                                        ولحديثهما هذا شواهد وفيها زيادات نذكرها إن شاء الله مفصلة في أبواب.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية