الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني، قال: حدثنا يحيى بن محمد، قال: حدثنا مسدد، قال: وأخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قالا: حدثنا أبي، قال: حدثنا يحيى يعنيان ابن سعيد القطان، عن عوف، قال: حدثنا أبو رجاء، قال: حدثنا عمران بن حصين، قال: كنا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنا أسرينا حتى كنا في آخر الليل، وقعنا تلك الوقعة ولا وقعة أحلى عند المسافر منها قال: فما أيقظنا إلا حر الشمس فكان أول من استيقظ فلان - كان يسميهم أبو رجاء ثم فلان، ونسيهم عوف - ثم عمر بن الخطاب الرابع، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نام لم يوقظ حتى يكون هو يستيقظ لأنا لا ندري ما يحدث له في نومه، فلما استيقظ عمر ورأى ما أصاب الناس وكان رجلا أجوف جليدا قال: فكبر ورفع صوته بالتكبير، فما زال يكبر ويرفع صوته بالتكبير، حتى استيقظ لصوته رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوا الذي أصابهم فقال: "لا ضير أو لا يضير ارتحلوا" ، فارتحل غير بعيد، ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ ونودي بالصلاة فصلى بالناس، فلما انفتل من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم، فقال: "ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟" ، فقال يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليك بالصعيد، فإنه يكفيك" .

                                        ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكى إليه الناس العطش، فنزل فدعا فلانا - كان يسميه أبو رجاء ونسيه عوف - ودعا عليا فقال: "اذهبا فابغيانا الماء" ، قال [ ص: 278 ] : فانطلقا فيلقيان امرأة بين مزادتين أو سطيحتين من ماء على بعير لها، فقالا لها: أين الماء؟ فقالت: عهدي بالماء أمس هذه الساعة، قال: فقالا لها: فانطلقي إذا، قالت لي: أين؟ قالا: إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: هذا الذي يقال له الصابئ؟ قالا: هو الذي تعنين، فانطلقي إذا.

                                        فجاءا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحدثاه الحديث فاستنزلوها عن بعيرها، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء فأفرغ فيه من أفواه المزادتين أو السطيحتين يعني فمضمض في الماء وأعاده في أفواه المزادتين، أو السطيحتين، وأوكأ أفواهها وأطلق العزالي ونودي في الناس أن اسقوا واستقوا، فسقى من شاء واستقى من شاء، فكان آخر ذلك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء، فقال: "اذهب فأفرغه عليك" ، قال: وهي قائمة تنظر ما يفعل بمائها، قال: وايم الله لقد أقلع عنها وإنه ليخيل إلينا أنها أشد ملئا منها حين ابتدأ فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجمعوا لها" ، فجمع لها من بين عجوة ودقيقة وسويقة، حتى جمعوا طعاما كثيرا وجعلوه في ثوب وحملوها على بعيرها، ووضعوا الثوب بين يديها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعلمين والله ما رزيناك من مائك شيئا، ولكن الله عز وجل هو سقانا" .

                                        قال: فأتت أهلها وقد احتبست عليهم فقالوا: ما حبسك يا فلانة؟ قالت: العجب لقيني رجلان فذهبا بي إلى هذا الذي يقال له الصابئ، ففعل بمائي كذا وكذا للذي قد كان، قال: فوالله إنه لأسحر من بين هذه وهذه، وقالت بأصبعها الوسطى والسبابة فرفعتهما إلى السماء تعني السماء والأرض، أو إنه لرسول الله حقا، قال: فكان المسلمون بعد يغيرون على ما حولها من [ ص: 279 ] المشركين، ولا يصيبون الصرم الذي هي منه، فقالت يوما لقومها: ما أدري أن هؤلاء القوم يدعونكم عمدا فهل لكم في الإسلام فأطاعوها فدخلوا في الإسلام.


                                        رواه البخاري في الصحيح عن مسدد، وأخرجه مسلم من حديث النضر بن شميل عن عوف.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية