الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 59 ] باب هبوب الريح التي دلت رسول الله صلى الله عليه وسلم على موت عظيم من عظماء المنافقين، وما ظهر في راحلته التي ضلت وتكلم المنافق فيها بما تكلم به من آثار النبوة

                                        أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا أبو جعفر البغدادي، قال: حدثنا أبو علاثة، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة.

                                        (ح) وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، قال: أخبرنا أبو بكر بن عتاب، قال: حدثنا القاسم الجوهري، قال: حدثنا ابن أبي أويس، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن موسى بن عقبة، في قصة غزوة بني المصطلق قالا: فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم صنعاء من طريق عمان، سرح الناس ظهرهم، وأخذتهم ريح شديدة، حتى أشفق الناس منها، وقيل: يا رسول الله، ما شأن هذه الريح؟ فزعموا أنه قال: "مات اليوم منافق عظيم النفاق، ولذلك عصفت الريح، وليس عليكم منها بأس إن شاء الله" وكان موته غائظا للمنافقين زاد موسى بن عقبة في روايته قال جابر: فرجعنا إلى المدينة، فوجدنا منافقا عظيم النفاق قد مات يومئذ، ثم اتفقا وسكنت الريح آخر النهار، فجمع الناس ظهرهم، وفقدت راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين الإبل، فسعى لها الرجال [ ص: 60 ] يلتمسونها فقال رجل من المنافقين كان في رفقة من الأنصار: أين يسعى هؤلاء؟ قال أصحابه: يلتمسون راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم حلت، وفي رواية عروة: ضلت.

                                        فقال المنافق: أفلا يحدثه الله بمكان راحلته؟ فأنكر عليه أصحابه ما قال، وقالوا: قاتلك الله نافقت، فلم خرجت وهذا في نفسك؟ قال: خرجت لأصيب عرضا من الدنيا ولعمري إن محمدا ليحدثنا ما هو أعظم من شأن الناقة، فسبه أصحابه، وقالوا: والله ما نكون منك بسبيل، ولو علمنا أن هذا في نفسك ما صحبتنا ساعة، فمكث المنافق شيئا، ثم قام وتركهم، فعمد لرسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع الحديث، فوجد الله قد حدثه حديثه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمنافق يسمع: " إن رجلا من المنافقين شمت أن حلت أو ضلت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أفلا يحدثه الله بمكان ناقته، وإن الله عز وجل قد أخبرني بمكانها ولا يعلم الغيب إلا الله، وهي في الشعب المقابل لكم، وقد تعلق زمامها بشجرة " فعمدوا إليها فجاؤوا بها، وأقبل المنافق سريعا حتى أتى النفر الذين قال عندهم ما قال، فإذا هم جلوس مكانهم، لم يقم منهم أحد من مجلسه، فقال: أنشدكم بالله هل أتى أحد منكم محمدا فأخبره بالذي قلت؟ قالوا: اللهم لا، ولا قمنا من مجلسنا هذا بعد، قال: فإني وجدت عند القوم حديثي , وقال: والله لكأني لم أسلم إلا اليوم وإن كنت لفي شك من شأنه، فأشهد أنه رسول الله.

                                        قال أصحابه: فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فليستغفر لك، فزعموا أنه ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترف بذنبه واستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم، يزعمون أنه ابن اللصيب، وفي رواية عروة بن اللصيت أو ابن اللصيت، ولم يزل - زعموا - فشلا حتى مات
                                        هذا لفظ حديث موسى بن عقبة، وزعم الواقدي أن الذي أخبر بموته عند هبوب الريح زيد بن رفاعة بن التابوت.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية