الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 133 ] باب إرسال النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى مكة حين نزل بالحديبية، ودعائه أصحابه إلى البيعة

                                        أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ رحمه الله قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن محمد بن عبد الله البغدادي، قال: حدثنا أبو علاثة محمد بن عمرو بن خالد، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا ابن لهيعة، قال: حدثنا أبو الأسود، قال عروة بن الزبير في نزول النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية قال: وفزعت قريش لنزوله عليهم، فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليهم رجلا من أصحابه، فدعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليبعثه إليهم، فقال: يا رسول الله، إني لا آمنهم، وليس بمكة أحد من بني كعب يغضب لي إن أوذيت، فأرسل عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ فإن عشيرته بها وإنه مبلغ لك ما أردت، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان فأرسله إلى قريش، وقال: " أخبرهم أنا لم نأت لقتال، وإنما جئنا عمارا، وادعهم إلى الإسلام، وأمره أن يأتي رجالا بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات فيدخل عليهم ويبشرهم بالفتح ويخبرهم أن الله عز وجل وشيك أن يظهر دينه بمكة حتى لا يستخفى فيها بالإيمان تثبيتا يثبتهم، فانطلق عثمان رضي الله عنه فمر على قريش ببلدح فقالت قريش: أين؟ فقال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم لأدعوكم إلى الله جل ثناؤه وإلى الإسلام، ويخبركم أنا لم نأت لقتال وإنما جئنا عمارا، فدعاهم عثمان كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: قد سمعنا ما تقول فانفذ لحاجتك، وقام إليه أبان بن سعيد بن العاص، فرحب [ ص: 134 ] به، وأسرج فرسه، فحمل عثمان على الفرس، فأجاره وردفه أبان، حتى جاء مكة، ثم إن قريشا بعثوا بديل بن ورقاء الخزاعي، وأخا بني كنانة، ثم جاء عروة بن مسعود الثقفي، وذكر الحديث فما قالوا وقيل لهم، ورجع عروة إلى قريش فقال: إنما جاء الرجل وأصحابه عمارا فخلوا بينه وبين البيت فليطوفوا، فشتموه، ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى، ومكرز بن حفص، ليصلحوا عليهم فكلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوه إلى الصلح والموادعة، فلما لان بعضهم لبعض وهم على ذلك لم يستقم لهم ما يدعون إليه من الصلح والموادعة، وقد أمن بعضهم بعضا، وتزاوروا، فبينما هم كذلك وطوائف من المسلمين في المشركين لا يخاف بعضهم بعضا ينتظرون الصلح والهدنة، إذ رمى رجل من أحد الفريقين رجلا من الفريق الآخر فكانت معاركة وتراموا بالنبل والحجارة، وصاح الفريقان كلاهما، وارتهن كل واحد من الفريقين من فيهم، فارتهن المسلمون سهيل بن عمرو، ومن أتاهم من المشركين، وارتهن المشركون عثمان بن عفان ومن كان أتاهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيعة، ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا إن روح القدس قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بالبيعة، فاخرجوا على اسم الله فبايعوا، فثار المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت الشجرة فبايعوه على أن لا يفروا أبدا، فرغبهم الله تعالى فأرسلوا من كانوا ارتهنوا من المسلمين ودعوا بالموادعة والصلح، وذكر الحديث في كيفية الصلح والتحلل من العمرة، قال: وقال المسلمون وهم بالحديبية قبل أن يرجع عثمان بن عفان: خلص عثمان من بيننا إلى البيت فطاف به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أظنه طاف بالبيت ونحن محصورون" قالوا: وما يمنعه يا رسول الله وقد خلص، قال: "ذلك ظني به أن لا يطوف بالكعبة حتى يطوف معنا" .

                                        فرجع إليهم عثمان، فقال المسلمون: اشتفيت يا أبا عبد الله من الطواف بالبيت؟ فقال عثمان: بئس ما ظننتم بي، فوالذي نفسي بيده لو مكثت بها مقيما سنة , ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقيم بالحديبية ما [ ص: 135 ] طفت بها حتى يطوف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد دعتني قريش إلى الطواف بالبيت فأبيت قال المسلمون: رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أعلمنا بالله وأحسننا ظنا.


                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية